له في ذلك. وقوله: ما قال ابن عمر شيئًا، قال الطيبيُّ وغيره: ظهرت لابن عمر الحجة، فسكت مذعنًا، وقال ابن المنير: سكوته لا يدل على الإذعان، فلعله كره المجادلة في ذلك المقام.
وقال القرطبيّ: ليس سكوته لشكٍ طرأ له بعدما صرح برفع الحديث، ولكن احتمل عنده أن يكون الحديث قابلًا للتأويل، ولم يتعين له محمل يحمله عليه إذ ذاك، أو كان المجلس لا يقبل المماراة، ولم تتعين الحاجة إلى ذلك حينئذ، ويحتمل أن يكون ابن عمر فهم من استشهاد ابن عباس بالآية قبولَ روايته, لأنها يمكن أن يتمسك بها في أن لله أن يعذب بلا ذنب، فيكون بكاء الحي علامة لذلك، قاله الكرمانيّ.
قال الخطابيّ: الرواية إذا ثبتت لم يكن في دفعها سبيل بالظن، وقد رواه عمر وابنه، وليس فيما حكت عائشة ما يرفع روايتهما، لجواز أن يكون الخبران صحِيحيْن معًا، ولا منافاة بينهما. وقال القرطبيّ: إنكار عائشة ذلك وحكمها على الراوي بالتخطئة أو النسيان، أو على أنه سمع بعضًا ولم يسمع بعضًا، بعيدٌ لأن الرواة لهذا المعنى من الصحابة كثيرون، وهم جازمون، فلا وجه للنفي مع إمكان حمله على محمل صحيح، وقد جمع كثير من أهل العلم بين حديثي عمر وعائشة بضروب من الجمع.
أولها طريقة البخاريّ المتقدم توجيهها.
ثانيها، وهو أخص من الذي قبله، ما إذا أوصى أهله بذلك، وبه قال المُزَنيّ وإبراهيم الحربيّ وآخرون من الشافعية، وكذا هو مشهور مذهب مالك، وكذا "يعذب بتركه الوصية بتركه مع علمه بامتثالهم لأمره. وقال أبو الليث السَّمَرْقَنْديّ: أنه قول عامة أهل العلم، وكذا نقله النوويّ عن الجمهور، قالوا: وكان معروفًا للقدماء، حتى قال طَرَفَة بن العبد:
إذا مِتُّ فانعيني بما أنا أهله ... وشُقِّي عليَّ الجيبَ يا ابنة مَعْبَدِ
واعترض بأن التعذيب بسبب الوصية يستحق بمجرد صدور الوصية، والحديث دال على أنه إنما يقع عند وقوع الامتثال، والجواب أنه ليس في السياق حصر، فلا يلزم من وقوعه عند الامتثال أن لا يقع إذا لم يمتثلوا مثلًا.
ثالثها يقع ذلك أيضًا بمن أهمل نهي أهله عن ذلك، وهو قول داود وطائفة، وهو قول مالك كما مرَّ، ولا يخفى أن محله ما لم إذا لم يتحقق أنه ليست لهم بذلك عادة، ولا أظن أنهم يفعلون ذلك، قال ابن المرابط: إذا علم المرء بما جاء في النهي عن النوح، وعرف أن أهله من شأنهم يفعلون ذلك، ولم يعلمهم بتحريمه، ولا زجرهم عن تعاطيه، فإذا عذب على ذلك عذب بفعل نفسه، لا