للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرواة في الكثرة والقلة.

وفيها الاطلاع على علة الخبر بانكشاف غلط الغالط، وبيان تدليس المدلس، وتوصيل المعنعن. قال: وفيما يسره الله من جمع طرق هذا الحديث واستنباط فوائده، ما يحصل به التمييز بين أهل الفهم في النقل، وغيرهم ممن لا يهتدي لتحصيل ذلك، مع أن العين المستنبط منها واحدة، ولكن من عجائب اللطيف الخبير أنها تسقى بماء واحد، وتفضل بعضها على بعض في الأُكُل. هذا ما ذكره ابن القاصّ.

وقد قال العراقيّ في شرح الترمذيّ من هذه الأوجه ما هو واضح، ومنها الخفيّ ومنها المتعسف، وما ذكره من فائدة جمع الطرق لا خصوصية له بهذا الحديث، وقد بقي من فوائده أن بعض المالكية والخطابيّ من الشافعية استدلوا به على أن صيد المدينة لا يحرم، وتعقب باحتمال ما قاله ابن القاصّ أنه صيد في الحل ثم أُدخل الحرم، فلذلك أبيح إمساكه، وبهذا أجاب مالك في المُدَوّنة، ونقله ابن المنذر عن أحمد والكوفيين، ولا يلزم منه أن حرم المدينة لا يحرم صيده.

وأجاب ابن التين بأن ذلك كان قبل تحريم صيد حرم المدينة، وعكسه بعض الحنفية، فقال: قصة أبي عمير تدل على نسخ الخبر الدال على تحريم صيد المدينة، وكلا القولين متعقَّب، وما أجاب به ابن القاصّ من مخاطبة من لا يميز التحقق فيه جواز مواجهته بالخطاب إذ أفهم الخطاب، وكان في ذلك فائدة، ولو بالتأنيس له، وكذا في تعليمه الحكم الشرعيّ عند قصد تمرينه عليه من الصغير, كما في قصة الحسن بن عليّ لما وضع التمرة في فيه، قال له: كخ كخ، أما علمت أنّا لا نأكل الصدقة؟ كما يأتي بسطه في موضعه، إن شاء الله تعالى.

ويجوز أيضًا مطلقًا إذا كان القصد بذلك خطاب من حضر أو استفهامه ممن يعقل، وكثيرًا ما يقال للصغير الذي لا يفهم أصلًا إذا كان ظاهر الوعك: كيف أنت؟ والمراد سؤال كافله أو حامله، وذكر ابن بطال من فوائد هذا الحديث، أيضًا، استحبابَ النضح فيما لم يتيقن طهارته، وفيه أن أسماء الأعلام لا يقصد معانيها، وأن إطلاقها على المسمى لا يستلزم الكذب, لأن الصبيّ لم يكن أبًا، وقد دُعي أبا عمير، ويأتي استيفاء الكلام على هذا في باب "ما جاء في قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-".

وفيه جواز السجع في الكلام إذا لم يكن متكلفًا، وأن ذلك لا يمتنع من النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما امتنع منه انشاء الشعر. وفيه إتحاف الزائر بصنيع ما يعرف أنه يعجبه من مأكول أو غيره وفيه جواز الرواية بالمعنى, لأن القصة واحدة، وقد جاءت بألفاظ مختلفة، وفيه جواز الاقتصار على بعض الحديث، وجواز الإتيان به تارة مطولًا وتارة ملخصًا. وجميع ذلك يحتمل أن يكون من أنس، ويحتمل أن يكون من مَن بعده، والذي يظهر أن بعض ذلك منه، والكثير منه ممن بعده، وذلك يظهر من اتحاد

<<  <  ج: ص:  >  >>