ابن هبيرة في استحباب الصفوف في باب "الإِذن بالجنازة" عند حديث النجاشي.
وقال ابن رشيد، نقلًا عن ابن المُرابط وغيره ما محصله: مراد هذا الباب الرد على من يقول إن الصلاة على الجنازة إنما هي دعاء لها واستغفار، فتجوز على غير طهارة، فأوّلُ الرد عليه عند المصنف من جهة التسمية التي سماها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاةً، ولو كان الفرض الدعاء وحده، لما أخرجهم إلى البقيع، ولدعا في المسجد، وأمرهم بالدعاء معه، أو التأمين على دعائه، ولما صفهم خلفه كما يصنع في الصلاة المفروضة والمسنونة، وكذا وقوفه في الصلاة وتبكيره في افتتاحها، وتسليمه في التحلل منها، كل ذلك دالٌّ على أنها على الأبدان لا على اللسان وحده، وكذا امتناع الكلام فيها، وإنما لم يكن فيها ركوع وسجود لئلا يتوهم بعض الجهلة أنها عبادة للميت، فيضل بذلك.
ونقل ابن عبد البرّ الاتفاق على اشتراط الطهارة لها، إلا عن الشعبيّ قال: ووافقه إبراهيم بن علية، وهو ممن يُرغب عن كثير من قوله، ونقل غيره أن ابن جرير الطبريّ وافقهما على ذلك، وهو مذهب شاذّ، قال ابن رشيد: وفي استدلال البخاريّ بالأحاديث التي صُدِّر بها الباب من تسميتها صلاة لمطلوبه من إثبات شرط الطهارة إشكال, لأنه كإن تمسك بالعُرف الشرعيّ عارضه عدم الركوع والسجود، وإن تمسك بالحقيقة اللغوية عارضته الشرائط المذكورة.
ولم يستو التبادر في الإطلاق، فيُدّعى الاشتراك لتوقف الإِطلاق على القيد عند إرادة الجنازة، بخلاف ذات الركوع والسجود، فتعين العمل على المجاز، ولم يستدل البخاري على مطلوبه بمجرد تسميتها صلاة، بل بذلك وبما انضم إليه من وجود جميع الشرائط، إلا الركوع والسجود، وقد تقدم ذكر الحكمة في حذفهما منها، ففي ما عداهما على الأصل، وقال الكرمانيّ غرض البخاريّ بيان جواز إطلاق الصلاة على صلاة الجنازة، وكونها مشروعة، وإن لم يكن فيها ركوع ولا سجود، فاستدل تارة بإطلاق اسم الصلاة والأمر بها، وتارة بإثبات ما هو من خصائص الصلاة، نحو عدم التكلم فيها، وكونها مختتمة بالتسليم، وعدم صحتها بدون الطهارة، وعدم أدائها عند الوقت المكروه، وبرفع اليد، وإثبات الأحقية بالإِمامة، وبوجوب طلب الماء، وبكونها ذات صفوف وإمام.
قال: وحاصله أن الصلاة لفظ مشترك بين ذات الأركان المخصوصة وبين صلاة الجنازة، وهو حقيقة شرعية فيهما. وقد قال بذلك غيره، ولا يخفى أن بحث ابن رشيد أقوى، ومطلوب المصنف حاصل، كما مرَّ بدون الدعوى المذكورة، بل بإثبات ما مرَّ من خصائصها.