عليهم بما في كتابهم، فإن في التوراة الرجم على المحصن وغير المحصن، قالوا: وكان ذلك أول دخول النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة. وكان مأمورًا باتباع حكم التوراة، والعمل بها حتى ينسخ ذلك في شرعه، فرجم اليهوديين على ذلك الحكم، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى:{وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} إلى قوله {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} ثم نسخ ذلك بالتفرقة بين من أُحصن ومن لم يحصَن.
وفي دعوى الرجم على من لم يحصن نظرّ، لما مرَّ من رواية الطبريّ وغيره. وقال مالك: إنما رجم اليهوديين لأن اليهود يومئذ لم تكن لهم ذمة، فتحاكموا إليه، وتعقبه الطحاويّ بأنه لو لم يكن واجبًا ما فعله. قال: وإذا قام الحد على من لا ذمة له، فلأنْ يقيمه على من له ذمة أوْلى. وقال المازري: يعترض على جواب مالك بكونه رجم المرأة، وهو يقول: لا تقتل المرأة الحربية إلا إن أجاب أن ذلك كان قبل النهي عن قتل النساء. وأيد القرطبيّ أنهما كان حربيين، بما أخرجه الطبريّ فيما مرَّ، ولا حجة فيه, لأنه منقطع.
قال القرطبيّ: ويعكر عليه أن مجيئهم سائلين يوجب لهم عهدًا، كما لو دخلوا لغَرضٍ كتجارة أو رسالة أو نحو ذلك، فإنهم في أمان إلى أن يردوا إلى مأمنهم، ولم ينفصل عن هذا إلا أن يقول: إن السائل عن ذلك ليس هو صاحب الواقعة، وقال النّوويّ: دعوى أنهما كانا حربيين باطلة، بل كانا من العهد، كذا قال. وسلّم بعض المالكية أنهما كانا من أهل العهد، واحتج بأن الحاكم مخير إذا تحاكم إليه أهل الذمة، بين أن يحكم فيهم بحكم الله وبين أن يُعرض عنهم، على ظاهر الآية. فاختار عليه الصلاة السلام في هذه الواقعة أن يحكم بينهم، وتعقب أن ذلك لا يستقيم على مذهب مالك, لأن شرط الإِحصان عنده الإِسلام، وهما كانا كافرين، وانفصل ابن العربيّ عن ذلك بأنهما كانا مُحَكّمين له في الظاهر، مُخْتَبرين ما عنده في الباطن، هل هو نبيٌّ حقٌ أو مسامح في الحق؟ وهذا لا يرفع الإِشكال، ولا يخلص عن الإِيراد.
ثم قال ابن العربيّ في الحديث: إن الإِسلام ليس شرطًا في الإِحصان، والجواب بأنه إنما رجمهما لإِقامة الحجة على اليهود، فيما حكموه فيه من حكم التوراة، فيه نظر, لأنه كيف يقيم الحجة عليهم بما لا يراه في شرعه مع قوله تعالى:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} قال: وأُجيب بأن سياق القضية ما قلناه، ومن ثمّ استدعى شهودهم ليقيم الحجة عليهم منهم، إلى أن قال:"والحق أحق أن يتبع" ولو جاؤوني لحكمت بينهم بالرجم، ولم اعتبر الإِسلام في الإِحصان.
قلت: الحق في الجواب عندي هو أنه مخير في الحكم بينهم بما أنزل الله، وردهم إلى أساقفتهم. والحكم بما أنزل الله في المسلمين هو الرجم بعد الإِحصان، وهو عليه الصلاة والسلام قد أمر بالحكم بينهم بحكم الإِسلام، مع علم الله تعالى بكفرهم، وقال ابن عبد البَر: حد الزنى