للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحضر في ذلك، وقبل شهادتهم جماعة من التابعين وبعض الفقهاء، إذا لم يوجد مسلم، استثني أحمد حالة السفر إذا لم يوجد مسلم، وأجاب القرطبيّ عن الجمهور عن واقعة اليهود بأنه -صلى الله عليه وسلم- نفّذ عليهم فاعلم أنه حكم التوراة، وألزمهم العمل به إظهارًا لتحريفهم كتابهم، وتغييرهم حكمه أو كان ذلك خاصًا بهذه الواقعة. كذا قال. والثاني مردود.

وقال النّوويّ: الظاهر أنه رجمهما بالاعتراف، فإنْ ثبت حديث جابر، فلعل الشهود كانوا مسلمين، وإلا فلا عبرة بشهادتهم، ويعين أنهما أقرا بالزنى، ولم يثبت أن الشهود كانوا مسلمين، ويحتمل أن يكون الشهود أخبروا بذلك السؤال بقية اليهود لهم، فسمع النبي -صلى الله عليه وسلم- كلامهم، ولم يحكم بينهم إلا مستندًا لما أَطْلعه الله تعالى عليه، فحكم في ذلك بالوحي، وألزمهم الحجة بينهم، كما قال تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} أو أن شهودهم شهدوا عليهم عند أحبارهم بما ذكر، فلما رفعوا الأمر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- استعلم القصة على وجهها، فذكر كل من حضره من الرواة ما حفظه في ذلك، ولم يكن مستند حكم النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا ما أَطْلعه الله تعالى عليه.

واستدل به بعض المالكية على أن المجلود يجلد قائمًا إن كان رجلًا، والمرأة قاعدة، لقول ابن عمر: رأيت الرجل يقيها الحجارة، فدل على أنه كان قائمًا وهي قاعدة، وتُعُقِّب بأنه واقعةُ عينٍ فلا دلالة فيه على أن قيام الرجل كان بطريق الحكم عليه بذلك، واستدل به على رجم المُحْصَن.

وقد مرَّ البحث فيه مستوفى، وعلى الاقتصار على الرجم، ولا يضم إليه الجلد كذا، احتج به بعضهم، وفيه خلاف، لو احتج به لعكسه لكان أقرب, لأنه في حديث البراء عند مسلم أن الزاني جلد أولًا ثم رجم، لكن يمكن الانفصال عنه بأن الجلد الذي وقع له، لم يكن بحكم حاكم، وفيه أنَّ أَنْكِحَةَ الكفار صحيحة, لأن ثبوت الإِحصان فرع ثبوت صحة النكاح.

وفيه أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، وفي أخذه من هذه القصة بعد، ولو سلم الأخذ يكون خاصًا بأهل الكتاب, لأنهم أخذوا بما في كتابهم، وفيه أن اليهود كانوا ينسبون إلى التوراة ما ليس فيها, ولو لم يكن مما أقدموا على تبديله، وإلا لكان في الجواب حَيْدة عن السؤال, لأنه سأل عما يجدون في التوراة، فعدلوا عن ذلك لما يفعلونه، وأوهموا أن فعلهم موافق لما في التوراة، فأكذبهم عبد الله بن سلام.

وقد استدل به بعضهم على أنهم لم يسقطوا شيئًا من ألفاظها كما يأتي تحريره في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى. والاستدلال به لذلك غير واضح، لاحتمال خصوص ذلك بهذه الواقعة، فلا يدل ذلك على التعميم، وكذلك من استدل به على أن التوراة التي أُحضرت حينئذ كانت كلها صحيحة سالمة من التبديل, لأنه يطرقه هذا الاحتمال بعينه، ولا يريده قوله "آمنت بك وبمن أنزلك" لأن

<<  <  ج: ص:  >  >>