للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: سلها كم حملت به؟ فقال: حملت به اثني عشر شهرًا، فلما وقع صاح صياح الصبيّ ابن شهر. فكان ذلك هو الأصل في إرادة استكشاف أمره.

وقوله: فقال له ماذا ترى؟ فقالَ ابن صياد: يأتيني صادق وكاذب، في حديث جابر عند الترمذيّ، ونحوه عند مسلم، فقال: أرى حقًا وباطلًا، أرى عرشًا على الماء. وفي حديث أبي سعيد عنده "أرى صادقين وكاذبًا" ولأحمد: "أرى عرشًا على البحر، حوله الحيتان، فقال: "خلط عليك الأمر" وفي رواية "لبُس" بضم اللام وتخفيف الموحدة المكسورة بعدها مهملة، أي: خلط عليه.

وفي حديث أبي الطفيل عند أحمد، فقال: "تعوّذوا بالله من شر هذا" وقوله: إني قد خبأت لك خبيئًا، بفتح المعجمة وكسر الموحدة بعدها تحتانية ساكنة ثم همزة، وفي رواية بكسر المعجمة وبفتحها وسكون الموحدة بعدها همزة، أي أخفيت لك شيئًا، وقوله: هو الدُّخ، بضم المهملة بعدها معجمة، وحكى صاحب "المحكم" الفتحَ، وعند الحاكم الزَّخ، بفتح الزاي بدل الدال، وفسره بالجماع، واتفق الأئمة على تغليطه في ذلك.

ويرده ما وقع في حديث أبي ذرٍّ المذكور "فأراد أن يقول الدخان، فلم يستطع، فقال: الدخ" وللبزّار والطبرانيّ في الأوسط عن زيد بن حارثة قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- خبأ له سورة الدخان، وكأنه أطلق السورة وأراد بعضها، فإن عند أحمد عن عبد الرزاق في حديث الباب "وخبأت له يوم تأتي السماء بدخان مبين". وأما جواب ابن صياد "بالدخ" فقيل: إنه اندهش فلم يقع من لفظ "الدخان" إلا على بعضه. وحكى الخطابيّ أن الآية حينئذ كانت مكتوبة في يد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلم يهتد ابن صياد منها إلاَّ لهذا القدر الناقص على طريقة الكهنة. ولهذا قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لن تعدو قدرك" أي: قدر مثلك من الكُهَّان الذين يحفظون من إلقاء شياطينهم ما يحفظونه مختلطًا صدقه بكذبه.

وحكى أبو موسى المَدِينيّ أنّ السرّ في امتحان النبي -صلى الله عليه وسلم- له، بهذه الآية، الإشارةُ إلى أن عيسى بن مريم يقتل الدجال بجبل الدخان، فأراد التعريض لابن صياد بذلك، واستبعد الخطابيّ ما تقدم، وصوب أنه خبأ له الدخ، وهو نبت يكون بين البساتين، وسبب استبعاده له أن الدخان لا يخبأ في اليد ولا الكم، ثم قال: إلا أن يكون خبأ له اسم الدخان في ضميره، وعلى هذا، فيقال: كيف اطّلع ابن صياد أو شيطانه على ما في الضمير؟ ويمكن أن يجاب باحتمال أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- تحدّث عن نفسه أو أصحابه بذلك قبيل أن يختبره، فاسترق الشيطان ذلك أو بعضه.

وقوله: أخسأ، بهمز ساكنة، وحذفت في رواية بلفظ "اخْسَ" وهو تخفيف. قال ابن بطال: اخسأ زجر للكلب وإبعاد له، هذا أصل هذه الكلمة، واستعملتها العرب في كل من قال أو فعل ما

<<  <  ج: ص:  >  >>