والأفكار، فلما أخذ الميثاق من الذُّرِّيّة، قالوا جميعًا: بلى، فأما أهل السعادة: فقالوها طوعًا، وأما أهل الشقاوة فقالوها كرهًا.
وقال محمد بن نصر: سمعت إسحاق بن راهوَيه يذهب إلى هذا المعنى ويرجحه، وتعقب بأنه يحتاج إلى نقل صحيح، فإنه لا يعرف هذا التفصيل، عند أخذ الميثاق، إلا من السّدي، ولم يسنده، وكأنه أخذه من الإسرائيليات، حكاه ابن القيّم، ومنها أن المراد بالفطرة الخلقة، أي: يولد سالمًا لا يعرف كفرًا ولا إيمانًا، ثم يعتقد إذا بلغ التكليف، ورجحه ابن عبد البر، وقال: إنه يطابق التمثيل بالبهيمة، ولا يخالف حديث عياض, لأن المراد بقوله "حنيفًا" أي: على استقامة. وتعقب بأنه لو كان كذلك، لم يقتصر في أحوال التبديل على ملل الكفر، دون ملة الإِسلام، ولم يكن لاستشهاد أبي هريرة بالآية معنى.
ومنها قول بعضهم: إن اللام في "الفطرة" للعهد، أي: فطرة أبويه، وهو مُتَعقب بم ذُكر في الذي قبله، ويؤيد المذهب الصحيح أنّ قوله "فأبواه يهودانه .. " الخ، ليس فيه لوجود الفطرة شرط، بل ذكر ما يمنع موجبها، كحصول اليهودية مثلًا، متوقف على أشياء خارجة عن الفطرة، بخلاف الإِسلام.
وقال ابن القيم سبب اختلاف العلماء في معنى الفطرة في هذا الحديث أن القدرية كانوا يحتجون به على أن الكفر والمعصية ليسا بقضاء الله، بل مما ابتدأ الناسُ إحداثه، فحاول جماعة من العلماء مخالفتهم بتأويل الفطرة على غير معنى الإِسلام، ولا حاجة لذلك, لأن الآثار المنقولة عن السلف تدل على أنهم لم يفهموا من لفظ الفطرة إلا الإِسلام، ولا يلزم من حملها على ذلك موافقة مذهب القدرية, لأن قوله "فأبواه يهودانه" إلخ محمولٌ على أن ذلك يقع بتقدير الله تعالى، ومنهم ثم احتج عليهم مالك بقوله في آخر الحديث: الله أعلم بما كانوا عاملين.
وقوله: فأبواه، أي: المولود، الفاء إما للتعقيب أو للسببية أو جزاء شرط مقدّر: إذا تقرر ذلك فمن تغير كان سبب تغيره من أبويه. وهو قوله "يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه". إما بتعليمها إياه أو بترغيبهما فيه. وكونه تبعًا لهما في الدين يقتضي أن يكون حكمه حكمهما في الدنيا فإن سبقت له السعادة أسلم، وإلا مات كافرًا. وخص الأبوان بالذكر للغالب، فلا حجة فيه لمن حكم بإسلام الطفل الذي يموت أبواه كافرين، كما هو قول أحمد، فقد استمر عمل الصحابة ومن بعدهم على عدم التعرض لأطفال أهل الذمة.
وقوله: كما تُنْتج البهيمة بضم أوله وسكون النون وفتح المثناة بعدها جيم، قال أهل اللغة: نُتَجِت الناقة على صيغة ما لم يسم فاعله تُنْتج، بفتح المثناة، وأنْتَج الرجل ناقته ينتُجها إنتاجًا أي: تلد البهيمة بهيمة، بالنصب مفعول به.
قال الطيبي: قوله "كما" حال من الضمير المنصوب في يهودانه، أي: يهودان المولود بعد أن