ذلك، فيحتمل أن يكون المراد المعنى الثاني، لقوله: كاذبًا متعمدًا، والكذب يدخل القضية الإِخبارية التي يقع مقتضاها تارة، وتارة لا يقع وهذا بخلاف قولنا: والله، وما أشبهه، فليس الإِخبار بها عن أمر خارجيّ، بل هي لإِنشاء القسم، فتكون صورة الحلف هنا على وجهين: أحدهما أن يتعلق بالمستقبل، كقوله: إن فعل كذا فهو كافر. والثاني أن يتعلق بالماضي كقوله: إن كان فعل كذا فهو يهودي، وقد يتعلق بهذا من لم ير فيه الكفارة، كالمالكية، لكونه لم يذكر فيه كفّارة، بل جعل المرتَّب على كذبه. قوله، "فهو كما قال" ابن دقيق العيد، ولا يكفر في صورة الماضي إلا أن قصد التعظيم، وفيه خلاف عند الحنفية، لكونه يتخير معنى، فصار كما لو قال: هو يهودي.
ومنهم من قال: إن كان لا يعلم أنه يمين لم يكفِّر، وإن كان يعلم أنه يكفرْ بالحِنْث به كَفَّر، لكونه رضي بالكُفْر حين أقدم على الفعل. وقال بعض الشافعية: ظاهر الحديث أنه يحكم عليه بالكفر إذا كان كاذبًا، لما روى بُريدة مرفوعًا "من قال أنا بريء من الإِسلام، فإن كان كاذبًا، فهو كما قال، وإن كان صادقًا رجع إلى الإِسلام سالمًا"، والحق التفصيل، فإن اعتقد تعظيم ما ذكر، كفر، وعليه يحمل قوله:"من حلف بغير الله فقد كفر"، رواه الحاكم. وقال: صحيح على شرط الشيخين، وإن قصد حقيقة التعليق فيُنظر، فإن كان أراد أن يكون متصفًا بذلك كَفَر, لأن إرادة الكُفْر كُفر، وإنْ أراد البعد عن ذلك لم يكفر.
لكنه هل يحرم عليه ذلك أو يكره تنزيهًا؟ المشهور الثاني، وليقل ندبًا لا إله إلا الله، محمد رسول الله، ويستغفر الله، قاله في الفتح. وعند المالكية: لا يكفرُ إلا إذا قصد التعظيم بالحلف لمعبود من دون الله، وفعله حرام اتفاقًا في الأصنام، وعلى خلاف في الأنبياء وكل معظم شرعًا. واحتج أبو حنيفة وأصحابه وأحمد، بهذا الحديث، على أن الحالف باليمين المذكور ينعقد يمينه، وعليه الكفّارة, لأن الله تعالى أوجب على المظاهر الكفّارة، وهو منكر من القول وزور، والحلف بهذه الأشياء منكر وزور.
وقال النوويّ: لا ينعقد بهذه الأشياء يمين، وعليه أن يستغفر الله، ويوحده ولا كفّارة عليه، سواء فعله أو لم يفعله، وهذا مذهب مالك والشافعيّ وجمهور العلماء، واحتجوا بقوله عليه الصلاة والسلام "من حلف باللاّت والعُزّى، فليقل: لا إله إلا الله" ولم يذكر كفارة.
وقوله: كاذبًا متعمدًا، قال عِياض: تفرّد بزيادتها سُفيان الثَّوْرِيّ، وهي زيادة حسنة، يستفاد منها أن الحالف المتعمد إن كان مطمئن القلب بالإِيمان، وهو كاذب في ما لا يعتقد تعظيمه، لم يَكْفُر، وإن قاله معتقدًا لليمين بتلك المِلة، لكونها حقًا، كفَر، وإن قالها لمجرد التعظيم لها، احتمل.
قال في "الفتح": وينقدح بأن يقال: إن أراد تعظيمها، باعتقاد ما كانت عليه قبل النسخ، لم يكفر، ودعواه أن سفيان تفرد بها إن أراد، بالنسبة لرواية مسلم، فعسى. فأنه أخرجه من طرق، وبيّن