بإسقاط "يعني" وكذا وقع عند الباقين، وفي رواية النَّسَفِي، وكذا في رواية محمد بن جعفر "مما يقول لأصحابه" وقد مرَّ في حديث ابن عباس في بدء الوحي ما قيل في معنى "مما يحرك شفتيه" وهذه هنا في معناها.
وقال الطيبي: قوله: مما يكثر، خبر كان، وما موصولة، ويكثر صلته، والضمير العائد إلى "ما" هو فاعل يقول المستتر، "وأن يقول" فاعل يكثر، وقوله: هل رأي أحد منكم رؤيا، هو المقول، وفي رواية الباب هنا "فقال: من رأى عنكم الليلة رؤيا" المعني في الرواية الأولى، أي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كائنًا من النفر الذين كثر منهم هذا القول، فوضع ما موضع من تفخيماً وتعظيمًا لجانبه.
وتحريره كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجيد تعبير الرؤيا، وكان له مشارك في ذلك منهم؛ لأن الإكثار من هذا القول لا يصدر إلا ممن تدرب فيه، ووُفق بإصابته، كقولك: كان زيد من علماء النحو، ومنه قول صاحبي السجن ليوسف عليه السلام:{نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} وعلما ذلك مما رأياه منه، هذا من حيث البيان، وأما من حيث النحو فيحتمل أن يكون قوله:"هل رأى أحد منكم رؤيا" مبتدأ والخبر مقدم، وهو مما يكثر، وهذا على تأويل: هل رأى بهذا القول؟ أي هذا القول مما يكثر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقوله، ثم أشار إلى ترجيح الوجه السابق، والمتبادر هو الثاني، وهو الذي إتفق أكثر الشارحين عليه.
وقوله: فإن رأى أحدًا قصها، فيقول ما شاء الله. وفي رواية التعبير: فيُقَصّ عليه ما شاء الله أن يقص، وفي رواية يزيد: فَيَقُص عليه من شاء، وفي الأولى فيُقَصق بضم الياء وفتح القاف، والثانية بفتح الياء وضم القاف، وما في الرواية الأولى للمقصوص، وما في الثانية للقاص.
وقوله: فسأل يومًا، فقال: هل رأى رؤيا: قلنا: لا، قال: لكني رأيت الليلة رجلين أتياني. قال الطيبي: وجه الاستدراك أنه كان يحب أن يعبر لهم الرؤيا، فلما قالوا ما رأينا شيئًا، كأنه قال: أنتم ما رأيتم شيئًا، لكني رأيت. وأخرج أبو عُوانة عن سمرة "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل المسجد يومًا فقال: رأى أحد منكم رؤيا، فليحدث بها، فلم يحدث أحد بشيء، فقال: إني رأيت رؤيا، فاسمعوا مني" وفي رواية التعبير "وأنه قال لنا ذات غداة".
لفظ "ذات" زائد، أو هو من إضافة الشيء إلى اسمه، وفي رواية يزيد بن هارون عنه "إذا صلى صلاة الغداة، وفي رواية وهب بن جرير عن أبيه عند مسلم: إذا صلى الصبح، وبه تظهر مناسبة الترجمة للحديث في التعبير.
وذكر ابن أبي حاتم عن زيد بن علي بن الحسين بن علي عن أبيه عن جده عن علي، قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومًا صلاة الفجر، فجلس .. الحديث بطوله، نحو حديث سمرة، والراوي له عن زيد ضعيف، وأخرج أبو داود والنَّسائيّ عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا انصرف من صلاة الغداة يقول "هل رأى أحد الليلة رؤيا".