للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: "في كم"، معمول مقدم لكفنتم، قيل ذكر لها أبو بكر ذلك بصيغة الاستفهام، توطئة لها للصبر على فقده، واستنطاقًا لها بما يعلم أنه يعظم عليها ذكرُه لما في بداءته لها بذلك من إدخال الغم العظيم عليها؛ لأنه يبعد أن يكون أبو بكر نسي ما سأل عنه، لقرب العهد، ويحتمل أن يكون السؤال عن قدر الكفن على حقيقته؛ لأنه لم يحضر ذلك لاشتغاله بأمر البيعة، وأما تعيين اليوم فنسيانه أيضًا محتمل؛ لأنه عليه الصلاة والسلام دفن ليلة الأربعاء، فيمكن أن يحصل التردد هل مات يوم الإثنين أو الثلاثاء.

وقوله: "قلت يوم الاثنين" بالنصب أي في يوم الاثنين وقولها بعد ذلك قلت: يوم الاثنين بالرفع أي هذا يوم الاثنين، وقوله: "أرجو فيما بيني وبين الليل"، وللمستملي "الليلة" ولابن سعد عن عائشة "أول بدء مرض أبي بكر أنه اغتسل يوم الاثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة، وكان يومًا باردًا فَحُمَّ خمسة عشر يومًا، ومات مساء ليلة الثلاثاء، لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة.

وأشار الزين بن المنير إلى أن الحكمة في تأخر وفاته عن يوم الاثنين، مع أنه كان يحب ذلك، ويرغب فيه، لكونه قام بالأمر بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فناسب أن تكون وفاته متأخرة عن الوقت الذي قبض فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وقوله: "به رَدْع"، بسكون المهملة بعدها عين مهملة، أي: لطخ لم يعمه كله. وقوله: "وزيدوا عليه ثوبين"، زاد ابن سعد عن هشام "جديدين فكفنوني فيهما" أي: المزيد والمزيد عليه. وفي رواية غير أبي ذَرٍّ "فيها" أي: الثلاثة. وقوله: خَلَق، بفتح المعجمة واللام، أي: غير جديد، وعند ابن سعد عن أبي معاوية "ألا تجعلها جددًا كلها؟ قال: لا".

وظاهره أن أبا بكر كان يرى عدم المغالاة في الأكفان، ويؤيده قوله بعد ذلك "إنما هو للمهلة" وروى أبو داود عن علي مرفوعًا "لا تغالوا في الكفن، فإنه يسلب سريعًا" ولا يعارضه حديث جابر في الأمر بتحسين الكفن، أخرجه مسلم، فإنه يجمع بينهما يحمل التحسين على الصفة، وحمل المغالاة على الثمن، وقيل: التحسين حق الميت، فإذا أوصى بتركه أَتبع، كما فعل الصديق، ويحتمل أن يكون اختار ذلك الثوب بعينه، لمعنى فيه، من التبرك به، لكونه صار إليه من النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو لكونه كان جاهد فيه، أو تعبد فيه.

ويؤيده ما رواه ابن سعد عن القاسم بن محمد بن أبي بكر قال: كفنوني في ثوبيَّ اللَّذين كنت أصلي فيهما. وقوله: إنما هو، أي: الكفن. وقوله: للمهلة، قال عياض: رُوِي بضم الميم وفتحها وكسرها، وجزم الخليل بالكسر، وقال ابن حبيب هو بالكسر الصديدُ: وبالفتح التمهل، وبالضم عَكِر الزيت. والمراد هنا الصديد، ويحتمل أن يكون المراد بقوله: إنما هو، أي الجديد، وأن يكون المراد بالمهلة على هذا التمهل، أي أن الجديد لمن يريد البقاء، والأول أظهر، ويؤيده قول القاسم بن محمد بن أبي بكر: كفن أبو بكر في رَيَطة بيضاء، وريَطة مُمَصَّرة. وقال: إنما هو لما

<<  <  ج: ص:  >  >>