وفي رواية إسرائيل عن أبي إسحاق في قصة عثمان: فإن وَلَّوْك هذا الأمر فاتق الله فيه، ولا تحملن بني أبي مُعَيط على رقاب الناس. ثم قال: ادعوا لي صُهيبًا، فدعى له ثم قال: صل بالناس ثلاثًا، وليحل هؤلاء القوم في بيت، فإذا اجتمعوا على رجل، فمن خالف فاضربوا عنقه. فلما خرجوا من عنده قال: إنْ تولوها الأَجلح يأخذ بهم الطريق، فقال له ابنه: ما يمنعك يا أمير المؤمنين؟ قال: أكره أن أتحملها حيًا وميتًا.
وقد اشتمل هذا الفصل على فوائد عديدة، وله شاهد من حديث ابن عمر، أخرجه ابن سعد بإسناد صحيح، قال: دخل الرهط على عمر، فنظر إليهم فقال: إني قد نظرت في أمر الناس، فلم أجد عند الناس شقاقًا، فإن كان فهو فيكم، وإنما الأمر إليكم، وكان طلحة يومئذ غائبًا في أمواله، قلت: يأتي في المتن ما يدل على حضوره، قال: فإن كان قومكم لا يؤمرون إلا لأحد الثلاثة عبد الرحمن بن عوف وعثمان وعليّ، فمن ولي منكم فلا يحمل قرابته على رقاب الناس، قوموا فتشاوروا، ثم قال عمر: أمهلوا فإنْ حدث لي حدث، فليصل لكم صهيب ثلاثًا، فمن تَأمَّر منكم على غير مشورة من المسلمين فاضربوا عنقه. والمهاجرون الأولون هم مَنْ صلّى إلى القبلتين، وقيل مَنْ شهد بيعة الرضوان.
وقوله:"الذين تبوؤا الدار"، أي: سكنوا المدينة قبل الهجرة، وقوله:"والإيمان" ادّعى بعضهم أنه من أسماء المدينة، وهو بعيد، والراجح أنه ممن تبوؤا معنى لزم، وعامل نصبه محذوف تقديره واعتقدوا، أو أن الإِيمان لشدة ثبوته في قلوبهم كأنه أحاط بهم، وكأنهم نزلوه، والله تعالى أعلم.
وقوله:"وأوصيه بذمة الله وذمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يوفي لهم بعدهم، وأن يقاتل من ورائهم، ولا يكلَّفوا إلا طاقتهم"، والمراد بذمة الله أهل الذمة، والمراد بالقتال من ورائهم أي: إذا قصدهم عدولهم، والوراء الخلف، ويطلق على المقدام، فهو من الأضداد. وفي رواية "المناقب": "ووأصيه بأهل الأمصار خيرًا فإنهم رِدء الإِسلام، وجُباة المال، وغَيْظ العدو، وأنْ لا يؤخذ منهم إلا فَضْلُهم عن رضاهم".
وقوله:"ردء الإِسلام"، أي: عون الإِسلام الذي يدفع عنه، وغيظ العدو، أي: يغيظون العدو بكثرتهم وقوتهم. وقوله:"إلا فَضْلهم"، أي: إلاَّ ما فضل عنهم، وفيها: وأوصيه بالأعراب خيرًا، فإنهم أصل العرب ومادة الإِسلام، أنْ يوخذ من حواشي أموالهم، وترد على فقرائهم، وحواشي أموالهم التي ليست بخيار.
وقد استوفى عمر في وصيته جميع الطرائق؛ لأن الناس إما مسلم أو كافر، والكافر إما حربيّ ولا يوصى به، أو ذميٌّ وقد ذكره. والمسلم إما مُهاجريّ أو أنصاريّ أو غيرهما، وكلهم إما حضريّ أو بدوي، وقد بيّن الجميع. وفي رواية المدائنيّ من الزيادة "وأحسنوا مؤازرة مَنْ يلي أمركم، وأعينوه، وأدوا إليه الأمانة" وفي رواية "المناقب" من الزيادة: "فلما فرغ من دفنه، اجتمع هؤلاء