واستدل بقوله:"ترد على فقرائهم" مَنْ قال بعدم وجوب تعميم الأصناف كالمالكية، وأجاب عنه القائلون بتعميم الأصناف بأن الاقتصار على الفقراء وقع لمقاتلة الأغنياء؛ لأن الفقراء هم الأغلب. وقوله: في فقرائهم، يفيد منع صرف الزكاة للكافر، ومنع نقل الزكاة من بلد المال؛ لأن الضمير في قوله:"فقرائهم" يعود على أهل اليمن، وعورض بأن الضمير إنما يرجح إلى فقراء المسلمين، وهو أعم من أن يكونوا فقراء أهل تلك البلد أو غيرهم.
وأجيب بأن المراد فقراء أهل اليمن بقرينة السياق، فلو نقلها عند وجوبها إلى بلد آخر، مع وجود الأصناف أو بعضهم، لا يُسْقِط الفرض عند المالكية النقلُ المضر ما كان على مسافة القصر لا أقل منها، فهو في حكم البلد الذي وجبت فيه، وإذا نقلت لدونهم في الاحتياج لم تجز، ولمثلهم أجزأت، ولأعدم منهم كان الأفضل نقل أكثرها إليهم.
وقال الطيبي: اتفقوا على أنها إذا نقلت وأديت يسقط الفرض عنه، إلا عمر بن عبد العزيز، فإنه رد صدقة نقلت من خراسان إلى الشام إلى مكانها من خراسان. وفي قوله:"تؤخذ من أغنيائهم" دلالة على أن الطفل تلزمه الزكاة لعموم اللفظ، وتناوله له، واختلف أهل العلم، فذهب كثير من الصحابة إلى وجوب الزكاة في مال اليتيم، منهم عمرو وابنه وعلي وعائشة، وبه قال مالك والشافعيّ وأحمد وإسحاق.
وقالت طائفة: ليس في مال اليتيم زكاة، وهو قول سفيان الثَّوريّ وابن المبارك وأبي حنيفة وأصحابه وسعيد بن جبير والحسن البصري والنخعيّ، وحجة الأولين ما رواه التِّرمْذِي عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جده أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطب فقال:"ألا مَنْ وَلي يتميًا له مالٌ فليتجر في ماله، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة" ورواه الدارقطني بلفظ: "احفظوا اليتامى في أموالهم لا تأكلها الزكاة" ورواه البَيْهقي والدارقطني أيضًا، عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال:"ابتغوا بأموال اليتامى لا تأكلها الصدقة" وسعيد بن المسيب سمع من عمر على الصحيح، وحديث الباب كافٍ من الدليل.
وحجة الآخرين حديث رفع القلم عن ثلاث "عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق" وأجيب عن هذا بأن الزكاة حق واجب في المال، والمخاطب به ولي الصبيّ أو وصيه، واستدل به على أن الكفار غير مخاطبين بالفروع، حيث دعوا أولًا إلى الإيمان فقط، ثم دعوا إلى العمل، ورتب ذلك عليها بالفاء، وأيضًا فإن قوله: فإنْ هم أطاعوا فأخبرهم، يفهم منه أنهم لو لم يطيعوا لا تجب عليهم شيء، وفيه نظر؛ لأن مفهوم الشرط مختلف في الاحتجاج به.
وأجاب بعضهم عن الأول بأنه استدلال ضعيف؛ لأن الترتيب في الدعوة لا يستلزم الترتيب في