للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبين الذنوب فلا تأتيها، لأن الغفر الستر، وهو إما بين الذنب والعبد، وإما بين الذنب وعقوبته، واللائق بالأنبياء الأول، وبأممهم الثاني، قيل: المراد ترك الأولى والأفضل بالعدول إلى الفاضل، وترك الأفضل كأنه ذنب لجلالة قدر الأنبياء، وهذا من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين، وقيل: المتقدم ما قبل النبوة، والمتأخر العصمة، وقيل: ما وقع عن سهو أو تأويل، وقيل: المتقدم ذنب آدم، والمتأخر ذنب أمته، وقيل: المعنى أنه مغفور له غير مؤاخذ لو وقع منه.

وقوله: "ثم يقول إنَّ أتقاكم وأعلمكم بالله أنا" يقول بالرفع عطف على يغضب، وأتقاكم اسم إن، وتاليه عطف عليه، وأنا خبره، كأنهم قالوا: أنت مغفور لك لا تحتاج إلى عمل، ومع ذلك تواظب على العمل، فكيف بنا مع كثرة ذنوبنا؟ فرد عليهم بقوله: أنا أولى بالعمل لأني أتقاكم وأعلمكم بالله، فجمع بين القوة العملية والقوة العلمية، أشار بالأول إلى كماله عليه الصلاة والسلام في القوة العملية، وبالثاني إلى القوة العلمية، ووقع عند أبي نُعَيْم: "وأعلمكم بالله لأنا" بزيادة لام التأكيد، وفي رواية الإِسماعيلي: "والله إن أبركم وأتقاكم أنا" ويستفاد منه إقامة الضمير المنفصل مقام المتصل، وهو ممنوع عند أكثر النحاة إلا لضرورة، وأوَّلوا قول الشاعر:

وإنّما يُدَافِعُ عَنْ أحْسابهم أنا أوْ مِثْلي

بأن الاستثناء مقدر، أي: وما يدافع عن أحسابهم إلا أنا.

قال بعض الشراح: والذي وقع في هذا الحديث يشهد للجواز بلا ضرورة، فإن قيل: السياق يقتضي تفضيله على المخاطبين فيما ذكر، وليس هو منهم قطعًا، وشرط أفعل التفضيل إذا كان منويًّا في إضافته معنى من أن يكون جزءًا مما أضيف إليه، والأمر هنا ليس كذلك، وأجيب بأنه إنما قصد التفضيل على من سواه مطلقًا لا على المضاف إليه وحده، والإِضافة لمجرد التوضيح، فما ذكر من الشرط هنا لاغ، إذ يجوز في هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>