وفي هذا التعليل نظر، وما المانع أن يكون له فيه شيخان، نعم الذي يجري على طريقة أهل الحديث أن رواية عبد العزيز شاذة؛ لأنه لم يسلك الجادة، ومن عدل عنها دل على مزيد حفظه. وقوله:"مُثِّلَ له" أي: صوّر أو ضمِّن مثل معنى التصيير، أي: سير ماله على صورة شجاع. والمراد بالمال النّاضّ، وقد مرت رواية زيد بن أسلم في الذي قبله، ولا تنافي بين الروايتين، لاحتمال اجتماع الأمرين معًا، فرواية ابن دينار توافق الآية التي ذكرها، وهي سيطوقون، ورواية زيد بن أسلم توافق قوله تعالى:{يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ} الآية.
وقوله:"شُجاعًا" بضم المعجمة ثم جيم، الحية الذكر، وقيل: الذي يقوم على ذَنَبه ويواثب الفارس. وقوله:"أقرع" هو الذي تقرع رأسه أي: تَمَعَّط، لكثرة سمه. وفي كتاب أبي عبيد: سُمي أقرع لأن شعر رأسه يتمعَّط لجمعه السم فيه. وتعقبه القَزَّاز بأن الحية لا شعر برأسها، فلعله يذهب جلد رأسه، وفي تهذيب الأزهري: سمي أقرع لأنه يَقْرِي السم، ويجمعه في رأسه حتى يتمعَّط فروة رأسه. قال ذو الرمة:
قَرَى السم حتى انمار فروة رأسه ... عن العظمِ صلّ قاتلُ اللسعِ ما رِدُه
وقال القرطبي: الأقرع من الحيات الذي ابيضّ رأسه من السم، ومن الناس الذي لا شعر برأسه.
وقوله:"له زبيبتان" تثنية زبيبة، بفتح الزاي وموحدتين، وهما الزبدتان اللتان في الشدقين، يقال: تكلم حتى زَبَّب شَدْقاه، أي: خرج الزَّبَد منهما. وقيل: هما النكتتان السوداوان فوق عينيه، وقيل: نقطتان يكتنفان فاه، وقيل: هما في حلقه بمنزلة زَنَمَتْي العنز. وقيل: لحمتان على رأسه مثل القرنين، وقيل: نابان يخرجان من فيه.
وقوله:"يُطَوَّقُه" بضم أوله وفتح الواو الثقيلة، يصير له ذلك الثعبان طوقًا. وقوله:"ثم يأخذ بلِهْزِمتيه" فاعل يأخذ هو الشجاع، والمأخوذ يد صاحب المال كما وقع مبينًا في رواية همّام عن أبي هريرة الأتية في ترك الحيل بلفظ "لا يزال يطلبه حتى يبسط يده، فيلقمها فاه" واللِّهْزِمة، بكسر اللام وسكون الهاء بعدها زاي مكسروة، وقد فسَّر في الحديث بالشدقين، وفي الصحاح: هما العظمان الناتئان في اللَّحْيَين تحت الأُذنين، وفي الجامع: هما لحم الخدين الذي يتحرك إذا أكل الإنسان.
وقوله:"ثم يقول: أنا مالُك، أنا كنزك" وفائدة هذا القول الحَسْرة والزيادة في التعذيب، حيث لا ينفعه الندم. وفيه نوع من التهكم، وزاد في ترك الحيل عن همام عن أبي هريرة "يفر منه صاحبه ويطلبه" وفي حديث ثوبان عند ابن حِبّان "يتبعه فيقول: أنا كنزك الذي تركته بعدك، فلا يزال يتبعه حتى يلقمه يده، فيمضغها، ثم يتبعه سائر جسده" ولمسلم عن جابر: "يتبع صاحبه حيث ذهب، وهو يفر منه، فإذا رأى أنه لابد منه أدخل يده في فيه، فجعل يقضمها كما يقضم الفحل" وللطبرانيّ عن ابن مسعود: "ينقر رأسه".