ورفعت تمرة إلى فيها لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها، فأعجبني شأنها ... " الحديث.
وللطبرانيّ من حديث الحسن بن علي نحوه، ويمكن الجمع بأن مرادها بقولها في حديث عروة هنا "فلم تجد عندي غير تمرة واحدة" أي: أخصها بها، ويحتمل أنها لم يكن عندها في أول الحال سوى واحدة، فأُعْطِيَتْها، ثم وجدت اثنتين، ويحتمل تعدد القصة. وفي رواية عُروة هنا "من ابتُلي بشيء من هذه البنات" وفي رواية الأدب "من يلي من هذه البنات شيئًا" بتحتانية مفتوحة أوله، من الولاية، واختلف في المراد بالابتلاء، هل هو نفس وجودهنّ؟ أو ابتلى بما يصدر منهن؟ وكذلك، هل هو على العموم في البنات؟ أو المراد من اتصف منهن بالحاجة إلى ما يفعل به؟
وقوله في رواية الأدب: "فأَحْسَنَ إليهنَّ" مشعر بأن المراد بقوله في أول الحديث من هذه "أكثر من واحدة"، وفي حديث أنس عند مسلم "مَنْ عال جاريتين" ولأحمد عن أُم سلمة "مَنْ أنفق على البنتين أو أختين، أو ذاتي قَرابة، يُحْتَسب عليهما" والواقع في أكثر الروايات بلفظ "الإحسان" وفي رواية عبد المجيد "فصبر عليهن" ومثله في الأدب المفرد عن عُقبة بن عامر. وكذا في ابن ماجه، وزاد "وأطعمهنّ وسقاهنّ وكساهنّ" وعند الطبراني عن ابن عباس "فأنفق عليهنَّ وزوجهنَّ وأحسنَ أَدَبهنّ" وعند أحمد عن جابر، وفي الأدب المفرد "يؤدبهنَّ ويرحمهنّ ويكْفُلُهنّ" زاد الطبريّ فيه "ويزوجهنَّ" وله نحوه عن أبي هريرة في الأوسط" وللتِّرمذيّ.
وفي الأدب المفرد عن أبي سعيد "فأحسن صحبتهن، واتقى الله فيهنَّ" وهذه الأوصاف يجمعها لفظ "الإحسان الذي اقتصر عليه في رواية الأدب. واختلف في المراد بالإحسان هل يُقتصر فيه على قدر الواجب أو بما زاد عليه؟ والظاهر الثاني، فإن عائشة أعطت المرأة التمرة، فآثرت بها ابنتيها، فوصفها النبي -صلى الله عليه وسلم- بما أشار إليه من الحكم المذكور بالإحسان، فدل على أن مَنْ فعل معروفًا لم يكن واجبًا عليه، أو زاد على قدر الواجب عليه عُدّ مُحسنًا، والذي يقتصر على الواجب، وإن كان يوصف بكونه محسنًا، لكن المراد من الوصف المذكور قدر زائد، وشرط الإحسان أنْ يوافق الشرع لا ما خالفه. والظاهر أن الثواب المذكور إنما يحصل لفاعله إذا استمر إلى أن يحصل استغناؤهن عنه بزوج أو غيره، كما أشير إليه في بعض ألفاظ الحديث.
والإحسان إلى كل أحد بحسب حاله، وقد جاء أن الثواب المذكور يحصل لمن أحسن لواحدة فقط، ففي حديث ابن عباس المتقدم: "فقال رجل من الأعراب: أو اثنتين؟ فقال: أو اثنتين". وفي حديث عوف بن مالك عند الطبرانيّ: فقالت امرأة، وفي حديث جابر "فقيل" وفي حديث أبي هُريرة "قلنا" وهذا يدل على تعدد السائلين. وزاد في حديث جابر "فرأى بعض القوم" أن لو قال: "وواحدة". وفي حديث أبي هُريرة: "قلنا وثنتين؟ قال: وثنتين. قلنا: وواحدة؟ قال: وواحدة".
وشاهده حديث ابن مسعود، رفعه "مَنْ كانت له ابنة فأدبها فأحسن تأديبها، وعلّمها فأحسن