للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: "عليهما جُبتان من حديد" كذا في هذه الرواية، بجيم بعدها موحدة، ومن رواه فيها بالنون، فقد صحّف، وكذا رواية الحسن بن مسلم. ورواه حنظلة بن أبي سفيان عن طاووس بالنون، ورجحت، لقوله من حديد، والجنة في الأصل الحصف وسميت بها الدرع، لأنها تِجن صاحبها أي: تُحصّنه، والجبة بالموحدة، ثوب مخصوص، ولا مانع من إطلاقه على الدرع. واختلف في رواية الأعرج، والأكثر على أنها بالموحدة.

وقوله: "من ثُديهما" بضم المثلثة، جمع ثدي، وتراقيهما، بمثناة وقاف جمع تَرْقُوة، والتَّرْقُوتان: العظمان والمشرفان في أعلى الصدر من رأس المَنْكِبَين إلى طرف ثُغْرة النحر. وقوله: "سبغت" أي: امتدت وغطت. وقوله: "أو وفرت" شك من الراوي، وهو بتخفيف الفاء من الوفور، وفي رواية الحسن بن مسلم "انبسطت" وفي رواية أعرج "اتسعت عليه" وكلها متقاربة.

وقوله: "حتى تخفي بَنَانه" أي: تستر أصابعه، وللحميدي "حتى تَجِنُّ" بكسر الجيم وتشديد النون، وهي بمعنى تخفي، وبَنَانه، بفتح الموحدة ونونين، الأولى خفيفة، الأُصبع، ورواه بعضهم "ثيابه" بمثلثة، وبعد الألف موحدة، وهو تصحيف، وفي رواية الحسن بن مسلم "حتى تغشى" بمعجمتين "أناملَه"، وقوله: "وتعفو أثره" بالنصب، أي: تستر أثره. يقال: عما الشيءُ وعَفوْته أنا، لازم ومتعد، ويقال: عفت الدار إذا غطّاها التراب، والمعنى: أَن الصدقة تستر خطاياه، كما يغطي الثوبُ الذي يجر على الأرض أَثَر صاحبه إذا مشى، بمرور الذيل عليه.

وقوله: "لزقت" في رواية مسلم: "انقبضت" وفي رواية همام "غاصت كل حلقة مكانها" وفي رواية سفيان عند مسلم "قَلَصَت" والمفاد واحد، لكن الأُوْلى نظر فيها إلى صورة الضيق، والأخيرة نظر فيها إلى سبب الضيق، وزعم ابن التين أن فيه إشارة إلى أن البخيل يكون بالنار يوم القيامة.

قال الخطابيّ وغيره: هذا مَثَلٌ ضربه النبي -صلى الله عليه وسلم- للبخيل والمتصدق، فشببههما برجلين أراد كل واحد منهما أن يَلْبَس درعًا يستتر به من سلاح عدوه، فصبها على رأسه ليلبسها، والدروع أول ما تقع على الصدر والثديين إلى أن يُدخل الإنسان يديه في كميها، فجعل المنفق كمن لَبِس درعًا سابغةً، فاسترسلتْ عليه حتى سترت جميع بدنه، وهو معنى قوله: "حتى تَعْفُو أثره" أي: تستر جميع بدنه.

وجعل البخيل كمثل رجل غُلَّت يداه إلى عنقه، كلما أراد لُبْسَها اجتمعت في عنقه، فلزمت تَرْقُوته، وهو معنى قوله: "قَلَصَت" أي: تَضَامَّت واجتمعت. والمراد أن الجواد إذا هم بالصدقة انفسح لها صدره، وطابت نفسه، فتوسعت في الإنفاق. والبخيل إذا حدث نفسه بالصدقة، شحت نفسه، فضاق صدره، وانقبضت يداه. ومن يوق شح نفسه، فأولئك هم المفلحون.

وقال المهلب: المراد أن الله يستر المنفق في الدنيا والآخرة بخلاف البخيل، فإنه يفضحه. ومعنى "تعفو أثره" تمحو خطاياه، وتعقبه عياض بأن الخبر جاء على التمثيل لا على الإخبار ع ن كائن. قال: وقيل: هو تمثيل لنماء المال بالصدقة، والبخل بضده. وقيل: تمثيل لكثرة الجود

<<  <  ج: ص:  >  >>