للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال غيره: يجوز أن تُجسّد الأعراض فتوزن، وما ثبت من أمور الآخرة بالشرع لا دخل للعقل فيه، والمراد بحبة الخردل هُنا ما زاد من الأعمال على أصل التوحيد، لقوله في الرواية الأُخرى: "أخرجوا من قال: لا إله إلا الله، وعمل من الخير ما يَزِنُ ذرَّةً".

وقوله: "من خَرْدل من إيمان" أي: بالتنكير ليفيد التقليل, وفي رواية من الإِيمان بالتعريف، وقد استنبط الغَزّالي من قوله: "أخرِجوا من النار من كان في قلبه" إلخ، نجاة من أيقن بالإِيمان، وحال بينه وبين النطق به الموت، قال: وأما مَنْ قَدَرَ على النُّطْق، ولم يفعل حتى مات مع إيقانه بالإِيمان بقلبه، فيحتمل أن يكون امتناعه منه بمنزلة امتناعه عن الصلاة، فلا يُخَلَّدُ في النار، ويحتمل خلافه، ورَجَّحَ غيرُه الثاني فيحتاج إلى تأويل قوله: "في قلبه" فيقدر فيه محذوف تقديره منضمًا إلى النُّطق به مع القدرة عليه، ومنشأ الاحتمالين الخلاف في أن النطق بالإِيمان شطرٌ، فلا يتم الإِيمان إلا به، وهو مذهب جماعة من العلماء، واختاره الإِمام شمس الدين وفخر الإِسلام، أو شرطٌ لإِجراء الأحكام الدنيوية فقط، وهو مذهب جمهور المحققين، وهو اختيار الشيخ أبي منصور، والنصوص معاضِدةٌ لذلك، ونظم صاحب المراصد ما قيل في هذه المسألة بقوله:

فإنْ يَكُن ذُو النُّطقِ مِنهُ ما اتَّفَق ... فَإنْ يَكُن عَجْزًا يَكُن كَمن نَطَقْ

وإنْ يَكُن ذلك عَنْ إبَاءِ ... فحُكْمُهُ الكُفر بِلَا امْترَاء

وإنْ يَكُن عَن غَفلةٍ فَكَالإِبا ... وذَا الّذي حَكَى عِياضٌ مَذْهَبَا

وقيلَ كالنُّطقِ ولِلجمهُورِ ... نُسبَ والشَّيخ أبي مَنصُورِ

وذَيَّلها شيخنا أحمد بن مُحمد بن محمَّد سالم بقوله:

وذلك التَّفصيلُ قطعًا عُهدَا ... تَخْصيصُه بِمنْ بكُفرٍ وُلِدا

أمّا الّذي وُلِد في الإِسلام ... فهُوَ مُؤمِنٌ لَدَى الأعْلامِ

وُجُوبُ نُطقهِ وجوبُ الفَرْع ... يعْصِي بِتركهِ فقط في الشَّرْع

<<  <  ج: ص:  >  >>