والرد، وإلا فلابد من قبوله. واستدل به على صحة الصدقة المطلقة، ثم يعينها المتصدق لمن يريد.
قال ابن بطال: ذهب مالك إلى صحة الوقف، وإن لم يعين مصرفه، ووافقه أبو يوسف ومحمد والشافعيّ في قول. قال ابن القصار: وجهه أنه إذا قال: وقف أو صدقة، فإنما أراد به البر والقرابة، وأولى الناس ببره أقاربه، ولاسيما إذا كانوا فقراء، وهو كمن أوصى بثلث ماله، ولم يعين مصرفه، فإنه يصح ويصرف في الفقراء. والقول الآخر للشافعيّ إن الوقف لا يصح حتى يعين جهة مصرفه، وإلا فهو باقٍ على ملكه. وقال بعض الشافعية: إن قال: وقفته، وأطلق، فهو محل الخلاف، وإن قال: وقفته لله، خرج عن ملكه جزمًا. ودليله قصة أبي طلحة هذه.
واستدل به للجمهور في أن مَنْ أوصى أن يفرق ثلث ماله حيث أرى الله الوصي صحت وصيته، ويفرقه الوصي في سبل الخير، ولا يأكل منه شيئًا ولا يعطي منه وارثًا للميت، وخالف في ذلك أبو ثور وفاقًا للحنفية في الأول دون الثاني.
وفيه جواز تصدق الحي في غير مرض بأكثر من ثلث ماله، لأنه عليه الصلاة والسلام لم يستفصل أبا طلحة عن قدر ما تصدق به، وقال لسعد بن أبي وقاص: الثلث كثير، وفيه تقديم الأقرب من الأقارب على غيرهم. وفيه جواز إضافة حب المال إلى الرجل الفاضل العالم، ولا نقص عليه في ذلك. وقد أخبر الله تعالى عن الإنسان أنه لحب الخير لشديد، والخير هنا المال اتفاقًا، وفيه اتخاذ الحوائط والبساتين، ودخول أهل العلم والفضل فيها، والاستظلال بظلها، والأكل من ثمرها، والراحة والتنزه فيها. وقد يكون ذلك مستحبًا يترتب عليه الأجر، إذا قصد به إجمام النفس من تعب العبادة، وتنشيطها للطاعة. وفيه كسب العقار وإباحة الشرب من دار الصديق، ولو لم يكن حاضرًا، إذا علم طيب نفسه.
وفيه إباحة استعذاب الماء، وتفضيل بعضه على بعض، وفيه التمسك بالعموم، لأن أبا طلحة فهم من قوله تعالى:{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} تتناول ذلك بجميع أفراده، فلم يقف حتى يرد عليه البيان عن شيء بعينه، بل بدر إلى إنفاق ما يحبه، وأقره النبي -صلى الله عليه وسلم- على ذلك، واستدل به لما ذهب إليه مالك من أن الصدقة تصح بالقول من قبل القبض، فإن كانت لمعيَّن استحق المطالبة بقبضها، وإن كانت لجهة عامة خرجت عن مالك القائل، وكان للإمام صدقة في سبيل الصدقة، وكل هذا ما إذا لم يظهر مراد المتصدق، فإن ظهر اتبع.
وفيه جواز تولي المتصدق قَسْم صدقته، وفيه جواز أخذ الغني من صدقة التطوع إذا حصل له بغير مسألة، واستدل به على مشروعية الحَبْس والوَقْف، خِلافًا لمن منع ذلك وأبطله، ولا حجة فيه، لاحتمال أن تكون صدقة أبي طلحة تمليكًا، وهو ظاهر سياق الماجشون عن إسحاق. وفيه زيادة الصدقة في التطوع على قدر نصاب الزكاة، لأن هذا الحائط مشهور أنّ رَبْعه يحصل للواحد