للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الرواية الآتية: "تصدقنَ ولو من حليكن" وقد اختلف العلماء هل تجب في الحلي زكاة أم لا؟ فقال مالك وأحمد وإسحاق والشافعيّ، في أشهر قوليه: لا تجب فيه الزكاة. وكان يفتى بهذا في العراق، وتوقف بمصر. وقال: هذا مما استخير الله فيه. وقال أبو حنيفة وأصحابه والثَّوريّ: تجب فيه الزكاة، وقال الليث: ما كان من حَلي يُلْبَس ويُعار، فلا زكاة فيه، وما كان للتحرز عن الزكاة ففيه الزكاة.

وقال أنس: يزكى عامًا واحدًا لا غير، واستدل مَنْ أسقط الزكاة بما رواه مالك في الموطأ عن عائشة أنها كانت تكنى بيأت أختها يأتي في حجرها فلا تخرج من نعيتهن الزكاة ورواه جابر بن عبد الله عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ليس في الحلي زكاة" ذكره في الإِمام، وأخرج عبد الرزاق عن ابن عمر قال: لا زكاة في الحلي، وأخرج الدارقطني عن علي بن سُليمان قال: قلت لأنس: في الحلي زكاة؟ قال: لا زكاة في الحلي. وأخرج الشافعيّ والبيهقيّ عن عمرو بن دينار قال: سمعتُ ابن خالد يسأل جابر بن عبد الله عن الحلي، أفيه زكاة؟ فقال جابر: لا، وإن بلغ ألف دينار. وأخرج الدارقطني عن أسماء بنت أبي بكر أنها تحلي بناتِها الذهبَ ولا تزكيه، نحوًا من خمسين ألف. واحتج من رأى فيه الزكاة بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن امرأة أتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومعها بنت لها، وفي يد البنت مَسْكَنان غليظتان من ذهب، فقال لها: أتعطين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال: أَيَسُرُّك أن يُسَوِّرك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ قالت: فخلعتهما، فألقيتهما إليه عليه الصلاة والسلام، وقلت: هما لله ورسوله. رواه أبو داود والنَّسائي، وقال: ولا يصح في هذا الباب شيء.

واحتجوا أيضًا بما رواه عبد الله بن شداد بن الهاد أنه قال: دخلنا على عائشة قالت: دخل عليّ النبي -صلى الله عليه وسلم- فرأى في يدي فَتَخَاتٍ من وَرِق فقال: ما هذا يا عائشة؟ فقلت: صنعتهنَّ أتزينُ لك يا رسول الله. قال: أتؤدين زكاتهن؟ قلت: لا أو ما شاء الله. قال: هو حَسبك من النار. أخرجه الحاكم، وقال: هو علي شرط الشيخين، ولم يخرجاه إلى غير هذا مما احتجوا به.

وقد قال التِّرمِذِيّ والنسائيّ: إن هذا الباب لا يصح فيه شيء، وفي الحديث الحث على صلة الرحم، وجواز تبرع المرأة بمالها بغير اذن زوجها، وفيه عظة النساء، وترغيب ولي الأمر في أفعال الخير للرجال والنساء، والتحديث مع النساء الأجانب عند أمْنِ الفتنة، والتخويف من المؤاخذة بالذنوب، وما يتوقع بسببها من العذاب.

وفيه فُتيا العالم مع وجود من هو أعلم منه، وطلب الترقي في تحمل العلم. قال القرطبيّ: ليس إخبار بلالٍ باسم المرأتين في الرواية الآتية بعد أن استكتمناه، بإذاعة سر، ولا كشف أمانة، لوجهين: أحدهما: أنهما لم تلزماه بذلك، وإنما علم أنهما رأتا أنْ لا ضرورة تُحْوج إلى ذكرهما. ثانيهما: أنه أخبر بذلك جوابًا لسؤال النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكون إجابته أوجب من التمسك بما أمرتاه بعرض

<<  <  ج: ص:  >  >>