الصدقة. والمولاة المذكورة لم تسم. وقوله: هلا انتفعتهم بجلدها؟ وفي نسخة "بإهابها" بكسر الهمزة وتخفيف الهاء، هو الجلد قبل أن يدبغ. وقيل: هو الجلد دُبغ أو لم يدبغ. وجمعه أُهُب، بفتحتين ويجوز بضمتين، زاد مسلم: هلا أخذتم إهابها، فدبغتموه، فانتفعتم به؟، وأخرج مسلم نحوه عن ابن عباس، قال: ألا أخذوا إهابها فدبغوه، فانتفعوا به.
وقوله: قالوا: إنها مَيْتَة، لم يعين القائل. وقوله: إنما حرم أكلها. قال ابن أبي جمرة: فيه مراجعة الإِمام فيما لا يفهم السامع معنى ما أمره، كأنهم قالوا: كيف تأمرنا بالانتفاع بها وقد حرمت علينا؟ فبين له وجه التحريم. ويؤخذ منه جواز تخصيص الكتاب بالسنة، لأن لفظ القرآن {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} وهو شامل لجميع أجزائها في كل حال، فخصت السنة ذلك بالأكل، وفيه حسن مراجعتهم، وبلاغتهم في الخطاب، لأنهم جمعوا معاني كثيرة في كلمة واحدة، وهي قولهم: إنها ميتة.
واستدل به الزُّهريّ على جواز الانتفاع بجلد الميتة مطلقًا سواء دبغ أو لم يدبغ، لكن صح التقييد من طرق أخرى بالدباغ، وهي حجة الجمهور، واستثنى الشافعي من المَيْتات الكلبَ والخنزير، وما تولد منهما، لنجاسة عينهما عنده، وأبو حنيفة الخنزير، ولم يستثن أبو يوسف وداود شيئًا، أخذًا بعموم الخبر. وهي رواية عن مالك، ومشهور مذهبه أن الجلد عنده لا يطهر بالدباغ، ولكن يرخص في الانتفاع به في اليابس والماء المطلق بالدباغ، إلا من الخنزير خاصة.
وقد أخرج مسلم عن ابن عباس، رَفَعه، "إذا دبغ الإهاب فقد طَهُر" ولفظ الشافعيّ والتِّرْمِذِيّ وغيرهما "أيما إهاب دُبغ فقد طَهُر" وفي لفظ مسلم، أيضًا، عن ابن عباس "سألنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فقال: دِباغه طَهوره" وفي رواية للبزَّار: دباغ الأديم طُهوره، وجزم الرافعيّ وبعض أهل الأصول أن هذا اللفظ ورد في شاة ميمونة، وهو محتمل احتمالًا قويًا، لكون الجميع من رواية ابن عبّاس، وتمسك بعضهم بخصوص هذا السبب، فقصر الجواز على المأكول، لورود الخبر في الشاة، ويتقوى ذلك من حيث النظر بأن الدباغ لا يزيد في التطهير على الذكاة، وغير المأكول لو ذُكّي لا يطهر بالذكاة عند الأكثر، فكذلك الدباغ. وأجاب من عمم بالتمسك بعموم اللفظ، فهو أولى من خصوص السبب، وبعموم الإذن في المنفعة، ولأن الحيوان طاهر ينتفع به قبل الموت، فكان الدباغ بعد الموت قائمًا مقام الحياة.
وذهب قوم إلى أنه لا ينتفع من الميتة بشيء، سواءًا دبغ أو لم يدبغ، وتمسكوا بحديث عبد الله بن عكيم، قال:"أتانا كتابُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل موته، أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عَصَب". أخرجه الشافعيّ وأحمد والأربعة، وصححه ابن حبّان، وحسنه التِّرمِذيُّ. وفي رواية للشافعي وأحمد وأبي داود "قبل موته بشهر" قال التِّرْمذيّ: كان أحمد يذهب إليه ويقول هذا آخر الأمرين، ثم تركه لما اضطربوا في إسناده. وكذا قال الخلال، ورد ابن حبّان على من أدعى فيه