وقع في كل بلد منه شُطْيَة، فتأول أصحاب الرؤيا أنه يخرج منها عالم يخص علمه أهل مصر، ثم يتفرق في سائر البلدان. وقال المُزَنيّ: سمعتُ الشافعي يقول: رأيت عليّ بن أبي طالب في النوم، فسلم عليّ وصافحني، وخلع خاتمه وجعله في أُصْبُعي، وكان لي عم، ففسرها لي فقال لي: أما مصافحتك له، فأمانٌ من العذاب، وأما خلع خاتمه وجعله في أُصبعك فسيبلغ اسمك ما بلغ اسمه.
وقال أبو نعيم؛ عبد الملك بن محمد في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم اهد قريشًا علمًا، فإن عالمها يملأ طباق الأرض .. " الحديث. في هذا الحديث علامة بينة للميزان، المراد بذلك رجل من علماء هذه الأمة من قريش، قد ظهر علمه، وانتشر في البلاد، وهذه صفة لا نعلمها قد أحاطت إلا بالشافعيّ، إذا كان كل واحد من قريش من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وإن كان علمه قد ظهر وانتشر، فإنه لم يبلغ مبلغًا يقع تأويل كل هذه الرواية عليه، إذ كان لكل واحد منهم نتفٌ وقطعٌ من العلم، ومسائلٌ. وليس في كل بلد من بلاد المسلمين مدرسٌ ومفتٍ ومصنف يصنف على مذهب قرشيّ إلا على مذهب الشافعيّ، فعلم أنه يعنيه لا غيره. وحديث عالم قريش هذا أخرجه أبو داود الطيالسيّ في مسنده. وفيه الجارود، مجهول، ولكن له شواهد، وجمع الحافظ بن حَجَر طُرُقَه في كتاب سماه "لذة العيش في طُرُق حديث الأئمة من قُريش".
وقال أحمد بن حنبل: إن الله يقيض للناس في كل رأس مئة سنة من يعلِّمهم السنن، وينفي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكذب، فنظرنا؛ فإذا في رأس المئة عمر بن عبد العزيز، وفي رأس المئتين الشافعيّ. وقال أيضًا. هذا الذي تروون كله، أو عامته من الشافعيّ، وما بِتُّ منذ ثلاثين سنة إلا وأنا أدعو الله واستغفر للشافعيّ. وقال أبو داود: ما رأيت أحمد يميل إلى أحد ميله إلى الشافعيّ، وقال حميد بن أحمد المصريّ: كنت عند أحمد بن حنبل نتذاكر في مسألة، فقال رجل لأحمد: يا أبا عبد الله، لا يصح فيه حديث، فقال: إن لم يصح فيه حديث ففيه قول الشافعيّ، وحجته أثبت شيء فيه. وقال إسحاق بن راهويه: قال لي أحمد بن حنبل بمكة: تعال أُريك رجلًا لم تر عيناك مثله، فأقامني على الشافعي، وقال أحمد: سمعت الموطأ من بضعة عشر نفسًا من حُفّاظ أصحاب مالك، فأعدته على الشافعي، لأني وجدته أقومهم.
وقال المزنيّ: سمعت الشافعيّ يقول: حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر. وقال الحُميديّ: سمعت مسلم بن خالد، ومرَّ على الشافعيّ وهو يفتي وهو ابن خمس عشرة سنة، فقال له: افتِ، فقد آن لك أن تفتي. وقال أبو ثَور: كتب عبد الرحمن بن مَهْدِيّ إلى الشافعيّ، وهو شاب، أن يضع له كتابًا فيه معاني القرآن، ومعجم قبول الأخبار فيه، وحجة الإجماع، وبيان الناسخ والمنسوخ، فوضع له كتاب الرسالة، فكان عبد الرحمن يقول: ما أصلي صلاةً إلا وأنا أدعو للشافعيّ فيها. وقال عبد الرحمن بن مَهديّ؛ وقد ذكر الشافعيّ فقال: كان شابًا مفهمًا. وقال أبو ثور: ما رأيت مثل الشافعيّ، ولا رأى هو مثل نفسه.