لو اضطربت العادة في بعض البلاد، فكان بعضهم يرسلها ليلًا وبعضهم يرسلها نهارًا، فالظاهر أنه يقضي بما دل عليه الحديث.
وقوله: والبئر جبار، أي سقوط البئر على الشخص أو سقوط الشخص في البئر. في رواية الأسود بن العلاء عند مسلم "والبئر جرحها جُبار" وأما البئر فهي بكسر الموحدة ثم ياء ساكنة مهموزة، ويجوز تسهيلها، وهي مؤنثة، وقد تذكر على معنى القليب والطوي، والجمع أبؤر وآبار بالمد والتخفيف، وبهمزتين بينهما موحدة ساكنة. قال أبو عبيد: المراد بالبئر هنا العادِيَّة القديمة التي لا يعلم لها مالك، تكون في البادية، فيقع فيها إنسان أو دابة، فلا شيء في ذلك على أحد، وكذا لو حفر بئرًا في ملكه، أو في موات، فوقع فيها إنسان أو غيره فتلف، فلا ضمان إذا لم يكن منه تسبب إلى ذلك، ولا تغرير، وكذا لو استأجر إنسانًا ليحفر له البئر، فانهارت عليه، فلا ضمان. وأما من حفر بئرًا في طريق المسلمين، أو في ملك غيره بغير إذنه، فتلف بها إنسان، فإنه يجب ضمانه على عاقلة الحافر، والكفّارة في ماله. وإن تلف بها غير آدمي وجب ضمانه في مال الحافر، ويلتحق بالبئر كل حفرة على التفصيل المذكور، والمراد بجَرحها، وهو بفتح الجيم لا غير، ما يحصل بالواقع فيها من الجراحة، وليست الجراحة مخصوصة بذلك، بل كل الإتلافات ملحقة بها.
قال عياض وجماعة: إنما عبر بالجَرح لأنه الأغلب، أو هو مثال نبه به على ما عداه، والحكم في جميع الإتلاف بها سواء، سواء كان على نفس أو مال. ورواية الأكثر تتناول ذلك على بعض الآراء، ولكن الراجح الذي يحتاج إلى تقدير لا عموم فيه. قال ابن بطال: وخالف الحنفية في ذلك، فضمنوا حافر البئر مطلقًا قياسًا على راكب الدابة، ولا قياس مع النص. قال ابن العربي: اتفقت الروايات المشهورة على التلفظ بالبئر، جاءت رواية شاذة بلفظ "النار جبار" بنون وألف ساكنة قبل الراء، ومعناه عندهم أن من استوقد نارًا مما يجوز له، فتعدت حتى أتلفت شيئًا، فلا ضمان عليه. قال: وقال بعضهم: صحفها بعضهم؛ لأنّ أهل اليمن يكتبون النار بالباء لا بالألف، فظن بعضهم البئر بالموحدة النار بالنون، فرواها كذلك، وهذا هو الذي جزم به يحيى بن مُعين، جاعلًا التصحيف من معمر، وقال ابن عبد البر: لم يأت ابن مُعين على قوله بدليل، وليس بهذا تُرَدُّ أحاديث الثقات، ولا يعترض على الحفاظ الثقات بالاحتمالات، ولكن يؤيد ما قال ابن مُعين اتفاق الحفاظ من أصحاب أبي هريرة على ذكر البئر دون النار، ويؤيده أنه وقع عند أحمد عن جابر بلفظ "الجُبُّ جبار" بجيم مضمومة وموحدة ثقيلة، وهي البئر.
وقد اتفق الحفاظ على تغليط سفيان بن حسين، حيث روى عن الزُّهريّ في حديث الباب "الرّجل جبار" بكسر الراء وسكون الجيم، وقال الشافعي: لا يصح هذ، نعم الحكم الذي نقله ابن العربي صحيح، ويمكن أن يتلقى من حيث المعنى من الإلحاق بالعجماء، ويلتحق به كل جماد، فلو أن شخصًا عثر فوقع رأسه في جدار فمات، أو انكسر، لم يجب على صاحب الجدار شيء. وقوله: والمعدن جبار، أي هدر، وليس المراد أنه لا زكاة فيه، وإنما المعنى أن من استأجر رجلًا