للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختلف هل يتعين التنعيم لمن كان بمكة أم لا؟ وإذا لم يتعين هل لها فضل على الاعتمار من غيرها من جهات الحل أم لا؟، قال صاحب "الهدي": لم ينقل أنه صلى الله تعالى عليه وسلم اعتمر مدة إقامته بمكة قبل الهجرة، ولا اعتمر بعد الهجرة إلا داخلًا إلى مكة، ولم يعتمر قط خارجًا من مكة إلى الحل، ثم يدخل مكة بعمرة كما يفعل الناس اليوم، ولا ثبت عن أحد من الصحابة أنه فعل ذلك في حياته إلا عائشة وحدها، قلت: ما قاله صاحب "الهدي" لا دليل فيه، لأن العمرة قبل الهجرة لم يثبت وجوبها، وبعد الهجرة لم يستقر عليه الصلاة والسلام بمكة حتى يحتاج إلى الاعتمار منها، وإنما يأتيها من بلد بعيد معتمرًا وحاجًا، وعدم اطلاعه هو على فعل الصحابة له لا ينافي أنهم فعلوه، إذ يمكن أن يفعلوه، ولا ينقل، وأيُّ فائدة في هذا البحث بعد أن ثبتت مشروعيته بفعل عائشة له بأمره عليه الصلاة والسلام، وقد روى الفاكهاني عن محمد بن سيرين، قال: بلغنا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقَّت لأهل مكة التنعيم، ومن طريق عطاء قال: من أراد العمرة ممن هو من أهل مكة أو غيرها فليخرج إلى التنعيم أو الجعرانة، فليحرم منها، وأفضل ذلك أن يأتي وقتًا، أي: ميقاتًا من مواقيت الحج. قال الطحاوي: ذهب قوم إلى أنه لا ميقات للعمرة إن كان بمكة إلا التنعيم، ولا ينبغي مجاوزته، كما لا تنبغي مجاوزة المواقيت التي للحج وخالفهم آخرون، فقالوا: ميقات العمرة الحل، وإنما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- عائشة بالإحرام من التنعيم لأنه كان أقرب الحل من مكة.

ثم روى عن ابن أبي مليكة، عن عائشة في حديثها، قالت: وكان أدنانا من الحرم التنعيم، فاعتمرت، قال: فثبت بذلك أن ميقات مكة للعمرة الحل، وأن التنعيم وغيره في ذلك سواء، وفي رواية القاسم عن عائشة: يا عبد الرحمن اذهب بأختك فأعمرها من التنعيم، وفي رواية عروة عنها: أرسلني النبي -صلى الله عليه وسلم- مع عبد الرحمن إلى التنعيم، وفي رواية الأسود عنها: اذهبي مع أخيك إلى التنعيم، وفي رواية الأسود والقاسم جميعًا عنها: فاخرجي إلى التنعيم، وكل هذا صريح في أن ذلك كان عن أمر النبي يكنه وكلُّه يفسر قوله في رواية القاسم: اخرج بأختك من الحرم.

وأما ما رواه أحمد عن ابن أبي مليكة عنها في هذا الحديث: ثم أرسل إلى عبد الرحمن بن أبي بكر، فقال: احملها خلفك حتى تخرجها من الحرم، فوالله ما قال: فتخرجها إلى الجعرانة ولا إلى التنعيم، فهي رواية ضعيفة لضعف أبي عامر الخزاز، الراوي له عن ابن أبي مليكة، ويحتمل أن يكون قوله: فوالله، الخ، من كلام من دون عائشة متمسكًا

<<  <  ج: ص:  >  >>