قوله:"نرى الجهاد أفضل العمل"، هو بفتح النون، أي: نعتقد، ونعلم وذلك لكثرة ما يسمع من فضائله في الكتاب والسنة، وقد رواه جرير عن صهيب عند النسائي: فإني لا أرى عملًا في القرآن أفضل من الجهاد.
وقوله:"لكن أفضل الجهاد" اختلف في ضبط لكن فالأكثر بضم الكاف خطاب للنسوة، قال القابسي: وهو الذي تميل إليه نفسي، وفي رواية الحموي: لكن، بكسر الكاف وزيادة ألف قبلها بلفظ الاستدراك، والأول أكثر فائدة لأنه يشتمل على إثبات فضل الحج، وعلى جواب سؤالها عن الجهاد، وسماه جهادًا لما فيه من مجاهدة النفس، وعلى الاستدراك اسم لكن: أفضل الجهاد، وخبرها: حج مبرور، والمستدرك منه يستفاد من السياق، تقديره: ليس لكُنَّ الجهاد، ولكن الجهاد أفضل في حقكن حج مبرور، وعلى الرواية الأولى: أفضل الجهاد مبتدأ، والخبر لكن، وحج مبرور خبر مبتدأ محذوف، أي: أفضل الجهاد لكن هو حج مبرور، وفي رواية النسائي: ألا نخرج فنجاهد معك، فإني لا أرى عملًا في القرآن العظيم أفضل من الجهاد، فقال:"لكُنَّ أحسن الجهاد وأجمله حج البيت، حج مبرور"، وفي رواية ابن ماجه عن عائشة رضي الله تعالى عنها، قلت: يا رسول الله: هل على النساء جهاد، قال عليه الصلاة والسلام:"عليهن جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة"، وعنده أيضًا عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الحج جهاد كل ضعيف"، وفي رواية النسائي بسند لا بأس به عن أبي هريرة:"جهاد الكبير والصغير والضعيف والمرأة، الحج والعمرة"، وإنما قيل للحج جهاد لأنه يجاهد في نفسه بالكف عن شهواتها والشيطان، ودفع المشركين عن البيت باجتماع المسلمين إليه من كل ناحية.
وروى أبو داود وأحمد عن أبي واقد الليثي، عن أبيه بإسناد صحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لنسائه في حجة الوداع:"هذه ثم ظهور الحُصُر"، أي هذه الحجة، ثم تلزمن ظهور الحصر، جمع حصير، أي الذي يبسط في البيت بضم الصاد وتسكن تخفيفًا وأغرب المهلب فزعم أنه من وضع الرافضة لقصد ذم أم المؤمنين عائشة في خروجها إلى العراق للإصلاح بين الناس في قصة وقعة الجمل وهو إقدام منه على رد الأحاديث الصحيحة بغير دليل، والعذر لعائشة أنها تأولت الحديث المذكور كما تأوله غيرها من صواحباتها على أن المراد بذلك أنه لا يجب عليهن غير تلك الحجة، وتأيَّد ذلك عندها بقوله صلى الله تعالى عليه وسلم:"لكُنَّ أفضل الجهاد الحج المبرور" لأنه يدل على أن لهن جهادًا غير الحج، والحج أفضل منه، وسيأتي إن شاء الله تعالى استيفاء الكلام على هذا الحديث في باب حج النساء أواخر كتاب