وقوله:"هن" ضمير جماعة المؤنث، وأصله لمن يعقل، وقد استعمل فيما لا يعقل، لكن فيما دون العشرة.
وقوله:"لمن أتى عليهن" أي: على المواقيت من غير أهل البلاد المذكورة، ويدخل في ذلك من دخل بلدًا ذات ميقات ومن لم يدخل، فالذي لا يدخل لا إشكال فيه إذا لم يكن له ميقات معين، والذي يدخل فيه خلاف كالشامي إذا أراد الحج فدخل المدينة، فميقاته ذو الحليفة لاجتيازه عليها، ولا يؤخر حتى يأتي الجحفة التي هي ميقاته الأصلي، فإن أخَّر أساء ولزمه دم عند الجمهور، وأطلق النووي الاتفاق ونفى الخلاف في "شرحيه لمسلم والمهذب" في هذه المسألة، فلعله أراد في مذهب الشافعي، وإلا فالمعروف عند المالكية أن الشامي مثلًا إذا جاوز ذا الحليفة بغير إحرام إلى ميقاته الأصلي وهو الجحفة جاز له ذلك وإن كان الأفضل خلافه، وبه قال أبو حنيفة وأبو ثور وابن المنذر من الشافعية.
قال ابن دقيق العيد:"قوله: ولأهل الشام الجحفة" يشمل من مرّ من أهل الشام بذي الحليفة، ومن لم يمر.
وقوله:"ولمن أتى عليهن من غيرهن" يشمل الشامي إذا مرَّ بذي الحليفة وغيره، فهنا عمومان قد تعارضا، ويحصل الانفكاك عنه بأن قوله:"هن لهن" مفسر لقوله مثلًا: "وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة"، وأن امراد بأهل المدينة ساكنوها ومن سلك طريق سفرهم فمرّ على ميقاتهم، ويؤيده عراقي خرج من المدينة فليس له مجاوزة ميقات المدينة غير محرم، ويترجح بهذا قول الجمهور، وينتفي التعارض.
وقوله:"ممن أراد الحج العمرة" فيه دلالة على جواز دخول مكة بغير إحرام، وسيأتي في ترجمة مفردة.
وقوله:"ومن كان دون ذلك" أي: بين الميقات ومكة.
وقوله:"فمن حيث أنشأ"، أي: فميقاته من حيث أنشأ الإِحرام، إذ السفر من مكانه إلى مكة، وهذا متفق عليه إلا ما روي عن مجاهد أنه قال: ميقات هؤلاء نفس مكة، واستدل به ابن حزم على أن من ليس له ميقات فميقاته من حيث شاء، ولا دلالة فيه لأنه يختص بمن كان دون الميقات إلى جهة مكة كما مرَّ، ويؤخذ منه أن من سافر غير قاصد للنسك فجاوز الميقات ثم بدا له بعد ذلك النسك أنه يحرم من حيث تجدد له القصد، ولا يجب عليه الرجوع إلى الميقات لقوله:"فمن حيث أنشأ".