للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي: لم يكن في تلك الجهة ناس مسلمون، والسبب في قول ابن عمر ذلك أنه روى الحديث بلفظ أن رجلًا قال: يا رسول الله من أين تأمرنا أن نهلّ؟ فأجابه، وكل جهة عينها في حديث ابن عمر كان من قبلها ناس مسلمون بخلاف المشرق. أ. هـ.

قلت: الشام في زمنه عليه الصلاة والسلام مثل العراق لم يكن في جهته مسلمون.

وأما ما أخرجه أبو داود والترمذي من وجه آخر عن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقَّت لأهل المشرق العقيق، وهو وادٍ يتدفق ماؤه في غَوْرَيْ تهامة وهو غير عقيق المدينة الآتي ذكره، فقد تفرّد به يزيد بن أبي زياد، وهو ضعيف، وإن كان حفظه، فقد يجمع بينه وبين حديث جابر وغيره بأجوبة منها أن ذات عرق ميقات الوجوب، والعقيق ميقات الاستحباب لأنه أبعد من ذات عرق، ومنها أن العقيق لبعض العراقيين وهم أهل المدائن، والآخر ميقات لأهل البصرة وقع ذلك في حديث أنس عند الطبراني، وإسناده ضعيف، ومنها أن ذات عرق كانت أولًا في موضع العقيق الآن، ثم حولت وقربت إلى مكة، فعلى هذا فذات عرق والعقيق شيء واحد، ويتعين الاحرام من العقيق، ولم يقل به أحد، وإنما قالوا: يستحب احتياطًا، وحكى ابن المنذر، عن الحسن بن صالح أنه كان يُحرم من الربذة، وهو قول القاسم بن عبد الرحمن وخصيف الجزري، قال ابن المنذر: وهو أشبه في النظر إن كانت ذات عرق غير منصوصة، وذلك أنها تحاذي ذا الحليفة وذات عرق بعد.

والحكم فيمن ليس له ميقات أن يحرم من أول ميقات يحاذيه، لكن لما سن عمر ذات عرق، وتبعه عليه الصحابة، واستمر عليه العمل، كان أولى بالاتباع، واستدل به على أن من ليس عليه ميقات أن عليه أن يحرم إذا حاذى ميقاتًا من هذه المواقيت الخمسة، ولا شك أنها محيطة بالحرم، فذو الحليفة شامية، ويلملم يمانية فهي مقابلها، وإن كانت إحداهما أقرب إلى مكة من الأخرى، وقرن شرقية، والجحفة غربية فهي مقابلها، وان كانت إحداهما كذلك، وذات عرق تحاذي قرنًا، فعلى هذا فلا تخلو بقعة من بقاع الأرض من أن تحاذي ميقاتًا من هذه المواقيت، فبطل قول من قال: من ليس له ميقات، ولا يحاذي ميقاتًا هل يحرم من مقدار أبعد المواقيت أو أقربها؟ ثم حكى فيه خلافًا، والغرض أن هذه الصورة لا تحقق لما مرَّ إلا إذا كان قائله فرضه فيمن لم يطلع على المحاذاة كمن يجهلها.

وقد نقل النووي في "شرح المهذب" أنه يلزمه أن يحرم على مرحلتين اعتبارًا بقول عمر هذا في توقيته ذات عرق، وتعقب بأن عمر إنما حدها لأنها تحاذي قرنًا، وهذه الصورة إنما هي حيث يجهل المحاذاة، فلعل القائل بالمرحلتين أخذ بالأقل؛ لأن ما زاد عليه مشكوك فيه،

<<  <  ج: ص:  >  >>