للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر الغزالي والرافعي حديثًا مرفوعًا: أنا أكرم على ربي من أن يتركني في قبري بعد ثلاث، ولا أصلي له إلا أن يؤخذ من رواية ابن أبي ليلى هذه، وليس الأخذ بجيد لأن رواية ابن أبي ليلى قابلة للتأويل، قلت: كيف يصح الأخذ منها وهي فيها التصريح بقوله: بعد أربعين ليلة؟ قال البيهقي: إن صح، فالمراد أنهم لا يتركون يصلون إلا هذا المقدار، ثم يكونون مصلين بين يدي الله تعالى، قال البيهقي: وشاهد الحديث الأول ما ثبت في صحيح مسلم عن أنس رفعه: مررت بموسى ليلة أُسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم في قبره يصلي، فإن قيل: هذا خاص بموسى، قلنا: قد وجدنا له شاهدًا أخرجه مسلم عن أبي هريرة رفعه: "لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي، الحديث، وفيه: وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء، فإذا موسى قائم يصلي، فإذا رجل ضرب جعد كأنه"، الخ، وفيه: "وإذا عيسى ابن مريم قائم يصلي أقرب الناس شبهًا به عروة بن مسعود، وإذا إبراهيم قائم يصلي، أشبه الناس به صاحبكم، فحانت الصلاة فأممتهم"، قال البيهقي: وفي حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه لقيهم ببيت المقدس، فحضرت الصلاة، فأمَّهم نبينا عليه الصلاة والسلام، ثم اجتمعوا في بيت المقدس.

وفي حديث أبي ذر ومالك بن صعصعة في قصة الإِسراء أنه لقيهم في السموات، وطرق ذلك صحيحة، فيحمل على أنه رأى موسى قائمًا يصلي في قبره، ثم عرج به هو ومن ذكر من الأنبياء إلى السموات، فلقيهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم اجتمعوا في بيت المقدس، فحضرت الصلاة، فأمهم نبينا -صلى الله عليه وسلم-، ومن شواهد الحديث ما أخرجه أبو داود عن أبي هريرة رفعه وقال فيه: "وصلُّوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم" سنده صحيح، وأخرجه أبو الشيخ بسند جيد بلفظ: "من صلَّى عليَّ عند قبري سمعته، ومن صلَّى عليَّ نائيًا بلغته"، وعند أبي داود والنسائي، وصححه ابن خزيمة وغيره عن أوس بن أوس، رفعه في فضل يوم الجمعة: "فأكثروا على من الصلاة فيه، فإنَّ صلاتكم معروضة عليَّ"، قالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ قال: "إن اللهَ حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء"، ومما يشكل على ما تقدم ما أخرجه أبو داود عن أبي هريرة رفعه: "ما من أحد يسلم عليَّ إلا ردَّ الله عليَّ روحي حتى أرد عليه السلام، ورجاله ثقات.

ووجه الإشكال فيه أن ظاهره أن عود الروح إلى الجسد يقتضي انفصالها عنه، وهو الموت، وقد أجاب العلماء عن ذلك بأجوبة:

أحدها أن المراد بقوله: "ردَّ الله عليَّ روحي" أن رد روحه كان سابقًا عقب دفنه لا أنها

<<  <  ج: ص:  >  >>