اسم الكل على البعض سائغ مجازًا، وإنما قال النووي ذلك نصرة لما رجحه من أن جميع الحجر من البيت، وعمدته في ذلك أن الشافعي نص على ايجاب الطواف خارج الحجر، ونقل ابن عبد البر الاتفاق عليه، ونقل غيره إنه لا يعرف في الأحاديث المرفوعة، ولا عن أحد من الصحابة ومن بعدهم أنه طاف داخل الحجر، وكان عملًا مستمرًا، ومقتضاه أن يكون جميع الحجر من البيت، وهذا متعقب، فإنه لا يلزم من ايجاب الطواف من ورائه أن يكون كله من البيت، فقد نص الشافعي أيضًا كما ذكره البيهقي في "المعرفة" أن الذي في الحجر من البيت نحو من ستة أذرع، ونقله عن عدة من أهل العلم من قريش لقيهم كما تقدم فعلى هذا فلعله رأى ايجاب الطواف من وراء الحجر احتياطًا.
وأما العمل فلا حجة فيه على الإيجاب، فلعل النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعده فعلوه استحبابًا للراحة من تسور الحجر، لاسيما والرجال يطوفون جميعًا فلا يؤمن من المرأة التكشف، فلعلهم أرادوا حسم هذه المادة، وأما ما نقله المهلب عن ابن أبي زيد أن حائط الحِجَر لم يكن مبنيًا في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر حتى كان عمر فبناه ووسعه قطعًا للشك، وأن الطواف قبل ذلك كان حول البيت ففيه نظر، وقد أشار المهلب إلى أن عمدته في ذلك ما يأتي في باب بنيان الكعبة في أوائل السيرة النبوية بلفظ: لم يكن حول البيت حائط كانوا يصلون حول البيت حتى كان عمر، فبنى حوله حائطًا جدره قصيرة، فبناه ابن الزبير.
وهذا إنما هو في حائط المسجد لا في المسجد، فدخل الوهم على قائله من هنا, ولم يزل الحجر موجودًا في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-, كما صرح به كثير من الأحاديث الصحيحة, قلت: ما قاله ليس فيه دليل على أن الحائط كان قبل عمر، وما أول به الكلام من أنه في حائط المسجد غير ظاهر، ويرده قوله:"فبناه ابن الزبير" لأن ابن الزبير إنما بني البيت لا حائط المسجد، وكون الحجر موجودًا في زمنه عليه الصلاة والسلام لا يدل على وجود الحائط المحوط فيمكن أن يكون المراد بالموجود محله المعروف فتأمل.
ثم قال في "الفتح": نعم في الحكم بفساد طواف من دخل الحجر، وخلى بينه وبين البيت سبعة أذرع نظر، وقد قال بصحته جماعة من الشافعية كإمام الحرمين، ومن المالكية كأبي الحسن اللخمي، وذكر الأزرقي أن عرض ما بين الميزاب ومنتهى الحجر سبعة عشر ذراعًا وثلث ذراع منها عرض جدار الحجر ذراعان وثلث، وفي بطن الحجر خمسة عشر ذراعًا، فعلى هذا فنصف الحجر ليس من البيت، فلا يفسد طواف من طاف دونه، وأما قول المهلب إن الفضاء لا يسمى بيتًا، وإنما البيت البنيان لأن شخصًا لو حلف لا يدخل بيتًا فانهدم ذلك