للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصلاة والسلام قال ذلك حين أراد أن ينفر من مني فيحمل على تعدد القصة، وقوله: "وهل ترك عقيل؟ " في رواية مسلم وغيره: "وهل ترك لنا؟ ".

وقوله: "من رباع أو دور"؛ الرباع جمع رَبْع بفتح الراء وسكون الموحدة، وهو المنزل المشتمل على أبيات، وقيل: هو الدار فعلى هذا، فقوله: أو دور إما للتأكيد أو من شك الراوي، وفي رواية محمد بن أبي حفصة: من منزل، وجمع النكرة وإن كانت في سياق الاستفهام الإنكاري يفيد العموم للإشعار بأنه لم يترك من الرباع المتعددة شيئًا، ومن للتبعيض، وأخرج الفاكهاني هذا الحديث عن محمد بن أبي حفصة، وقال في آخره: ويقال: إن الدار التي أشار إليها كانت دار هاشم بن عبد مناف، ثم صارت لعبد المطلب ابنه، فقسمها بين ولده حين عمر، ثم صار للنبي -صلى الله عليه وسلم- حق أبيه عبد الله، وفيها ولد النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وقوله: "وكان عقيل ورث أبا طالب" الخ، محصله أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لما هاجر استولى عقيل وطالب على الدار كلها باعتبار ما ورثاه من أبيهما لكونهما كانا لم يسلما، وباعتبار ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- لحقه منها بالهجرة، وفقد طالب ببدر، فباع عقيل الدار كلها، وحكى الفاكهاني أن الدار لم تزل بأولاد عقيل إلى أن باعوها لمحمد بن يوسف أخي الحجاج بمائة ألف دينار، وزاد في روايته عن محمد بن أبي حفصة، فكان علي بن الحسين يقول: من أجل ذلك تركنا نصيبنا من الشعب، أي: حصة جدهم علي من أبيه أبي طالب، وقال الداودي وغيره: كان من هاجر من المؤمنين باع قريبه الكافر داره وأمضى النبي -صلى الله عليه وسلم- تصرفات الجاهلية تأليفًا لقلوب من أسلم منهم. وقال الخطابي: وعندي أن تلك الدار كانت قائمة على ملك عقيل، فإنما لم ينزلها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأنها دور هجروها في الله تعالى، فلم يرجعوا فيما تركوه، وتعقب بأن سياق الحديث يقتضي أن عقيلًا باعها، ومفهومه أنه لو تركها لنزلها، وقد مرَّ قريبًا أن هذه القصة وقعت عند دخول مكة يوم الفتح.

وقد اختلف العلماء هل مكة فتحت عنوة أو صلحًا، فذهب الجمهور إلى أنها فتحت عنوة، وتمسكوا بما أخرجه مسلم وأحمد والنسائي عن أبي هريرة، قال: أقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد بعث على إحدى الجنبتين خالد بن الوليد، وبعث الزبير على الأخرى، وبعث أبا عبيدة على الحُسَّر بضم المهملة وتشديد السين المهملة، جمع حاسر، أي: الذين لا سلاح لهم، فقال لي: يا أبا هريرة اهتف لي بالأنصار، فهتف بهم، فجاؤوا فأطافوا به، فقال لهم: أترون إلى أوباش قريش وأتباعهم، ثم قال بإحدى يديه على الأخرى: احصدوهم حصدًا حتى توافوني بالصفا، قال أبو هريرة: فانطلقنا فما نشاء أن نقتل أحدًا منهم إلا قتلناه، فجاء أبو

<<  <  ج: ص:  >  >>