شاء تركه، وأفادت هذه الرواية تعيين الوقت الذي وقع فيه الأمر بصيام عاشوراء، وقد كان أول قدومه للمدينة، ولا شك أن قدومه كان في ربيع الأول فحينئذ كان الأمر بذلك في أول السنة الثانية. وفي السنة الثانية فرض شهر رمضان، فعلى هذا لم يقع الأمر بصيام عاشوراء إلا في سنة واحدة، ثم فوض الأمر في صومه إلى رأي المتطوع، فعلى تقدير صحة قول من يدعي أنه كان قد فرض، فقد نسخ فرضه بهذه الأحاديث الصحيحة.
وقد نقل عياض أن بعض السلف كان يرى بقاء فرضية عاشوراء، لكن انقرض القائلون بذلك، ونقل ابن عبدالبر الإجماع على أنه الآن ليس بفرض، والإجماع على أنه مستحب، وكان ابن عمر يكره قصده بالصوم، ثم انقرض القول بذلك، وأما صيام قريش لعاشوراء فلعلهم تلقوه من الشرع السالف، ولهذا كانوا يعظمونه بكسوة الكعبة فيه كما مرَّ، وفي المجلس الثالث من مجالس الباغندي عن عكرمة أنه سئل عن ذلك، فقال: أذنبت قريش ذنبأ في الجاهلية، فعظم في صدورهم، فقيل لهم: صوموا عاشوراء يكفر ذلك، وعاشوراء بالمد على المشهور، وحكي فيه القصر، وزعم ابن دريد أنه إسلامي، وأنه لا يعرف في الجاهلية، ورد ذلك عليه بأن ابن العرابي حكى أنه سمع في كلامهم خابوراء، وبقول عائشة: إن أهل الجاهلية كانوا يصومونه، وهذا الأخير لا دلالة فيه على ما قال ابن دريد، واختلف أهل الشرع في تعيينه، فقال الأكثر: هو اليوم العاشر، قال القرطبي: عاشوراء معدول عن عاشرة للمبالغة والتعظيم، وهو في الأصل صفة لليلة العاشرة لأنه مأخوذ من العشر الذي هو اسم العقد، واليوم مضاف إليها، فإذا قيل: يوم عاشوراء، فكأنه قيل: يوم الليلة العاشرة، إلا أنهم لما عدلوا به عن الصفة، غلبت عليه الإسمية، فاستغنوا عن الموصوف، فحذفوا الليلة، فصار هذا اللفظ عَلَمًا على اليوم العاشر، وذكر أبو منصور الجواليقي أنه لم يسمع فاعولاء إلا هذا وضاروراء وساروراء ودالولاء، من الضار والسار والدالّ، وعلى هذا فيوم عاشوراء هو العاشر، وهذا قول الخليل وغيره.
وقال الزين بن المنير: الأكثر على أن عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم، وهو مقتضى الاشتقاق والتسمية.
وقيل: هو اليوم التاسع، فعلى الأول فاليوم مضاف لليلته الماضية، وعلى الثاني هو مضاف لليلته الآتية.
وقيل: إنما سمي يوم التاسع عاشوراء أخذًا من إوراد الإبل كانوا إذا رعوا الإبل ثمانية