الفضل بن عبدان من الشافعية: لا يجوز قطع شيء من أستار الكعبة، ولا نقله ولا بيعه ولا شراؤه، ولا وضعه بين أوراق المصحف، ومن حمل من ذلك شيئًا لزمه رده، وأقره الرافعي عليه، وقال ابن فرحون من المالكية: وهذا على وجه الاستحسان، والنصوص تخالفه، وقال الباجي: وقد استخف مالك شراء كسوة الكعبة، وقال ابن الصلاح: أمْرُ ذلك إلى الإِمام يصرفه في بعض مصارف بيت المال بيعًا وعطاءً, واحتج بما مرَّ قريبًا عن عمر بن الخطاب، قال النووي: وهو حسن متعين: لئلا تتلف بالبلى، وبه قال ابن عباس وعائشة وأم سلمة، وجوزوا لمن أخذها لبسها, ولو حائضًا أو جنبًا، ونبه في "المهمات" على أن ما قاله النووي هنا مخالف لما وافق عليه الرافعي في آخر الوقف من تصحيح أنها تباع إذا لم يبق فيها جمال، ويصرف ثمنها في مصالح المسجد.
ثم قال: واعلم أن للمسألة أحوالًا:
أحدها: أن توقف على الكعبة، وحكمها ما مرَّ، وخطأه غيره بأن الذي مرَّ محله فيما إذا كساها الإِمام من بيت المال، أما إذا وقفت فلا يتعقل عالم جواز صرفها في مصالح غير الكعبة.
ثانيها: أن يملكها مالكها للكعبة فلقيّمها أن يفعل فيها ما يراه من تعليقها عليها أو بيعها وصرف ثمنها في مصالحها.
ثالثها: أن يوقف شيء على أن يؤخذ ربعه، وتكسى به الكعبة كما في هذا العصر، فإن الإِمام قد وقف على ذلك بلادًا، قال: وقد تلخص لي في هذه المسألة أنه إن شرط الواقف عليها شيئًا من بيع أو عطاء لأحد أو غير ذلك فلا كلام، وإن لم يشترط شيئًا نظر إن لم يقف الناظر تلك فله بيعها وصرف ثمنها في كسوة أخرى، وإن وقفها فيأتي فيه ما مرَّ من الخلاف في البيع، نعم بقي قسم آخر وهو الواقع في هذا الوقت وهو أن الواقف لم يشترط شيئًا من ذلك، وشرط تجديدها كل سنة مع علمه بأن بني شيبة كانوا يأخذونها كل سنة لما كانت تكتسى من بيت المال, فهل يجوز لهم أخذها الآن، أو تباع ويصرف ثمنها في كسوة أخرى؟
فيه نظر، والمتجه الأول، ويدل له حديث:"كلوا منه بالمعروف"، واختلف في بدء كسوة الكعبة، فروى الفاكهاني عن وهب بن منبه أنه قال: زعموا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن سب حسان بن أسعد وهو تبع، وكان أول من كسى البيت الوصائل، ورواه الواقدي، عن همام، عن أبي هريرة مرفوعًا، أخرجه الحارث بن أبي أُسامة في "مسنده" عنه، ومن وجه آخر عن عمر موقوفًا، وروى عبد الرزاق، عن ابن جريج، قال: بلغنا أن تبعًا أول من كسى الكعبة