الثالث: أنه ضمير مبهم يفسره ما بعده على أنه تمييز كقوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} فإن ضمير هنّ هو المبهم الذي فسره سبع سموات، وهو تمييز والظاهر ما مرَّ أن في الحديث حذفًا، وهو الذي ارتضاه في الفتح، وكل الاحتمالات المذكورة لا يتضح معها المعنى.
وقوله في حديث علي:"أصلع أو أصعل أو أصمع: الأصلع من ذهب شعر مقدم رأسه، والأصعل: الصغير الرأس، والأصمع: الصغير الأذنين، وقول: "حمش الساقين" بفتح المهملة وسكون الميم ثم معجمة: أي دقيق الساقين، وهو موافق لما في رواية أبي هريرة "ذو السويقتين".
وقوله: "أسود أفحج" بوزن أفعل بفاء ثم حاء مهملة، ثم جيم، والفحج تباعد ما بين الساقين، قال الطيبي: وفي إعرابه أوجه، قيل: أسود منصوب على الذم، والمنصوب على الذم قد يكون نكرة، كما في قول النابغة:
مقارع عوف لا أحاول غيرها ... وجوه قرود تبتغي من تجادع
فوجوه منصوب على الذم، وأفحج منصوب صفة لسابقه، ويجوز أن يكون أسود أفحج حالين متداخلين أو مترادفين من ضمير به، وقيل: هما بدلان من الضمير المجرور وفتحا لأنهما غير منصرفين، وإبدال المظهر من المضمر جائز: كزره خالدًا وقبله اليد، وفي بعض الأصول: أسود أفحج برفعهما على أن أسود مبتدأ خبره يقلعها، والجملة حال بدون الواو، والضمير في به للبيت، أي: كأني متلبس به أو أسود خبر مبتدأ محذوف، والضمير في به للقالع، أي: كأني بالقالع هو أسود.
وقوله: "أفحج" خبر بعد خبر.
وقوله: "يقلعها حجرًا حجرًا"، أي: يقلع الأسودُ الأفحجُ الكعبةَ حجرًا حجرًا حال نحو بوبته بابًا بابًا، أي: مبوبًا، أو هو بدل من الضمير المنصوب في يقلعها، وقد روى ابن الجوزجي حديثاً طويلًا مرفوعًا فيه: "وخراب مكة من الحبشة، على يد حبشي أفحج الساقين، أزرق اليين، أفطس الأنف كبير البطن، معه أصحاب ينقضونها حجرًا حجرًا، ويتناولونها حتى يرموا بها -يعني الكعبة- إلى البحر، وخراب المدينة من الجوع، واليمن من الجراد", وذكر الحليمي أن خراب الكعبة يكون في زمن عيسى عليه السلام، وقال القرطبي: بعد رفع القرآن من الصدور والمصاحف، وذلك بعد موت عيسى، وهذا هو الصحيح.