وقوله:"ولم يمنعه أن يأمرهم"، أي: من أن يأمرهم فحذف الجار لعدم اللبس، وموضع أن وتاليها بعد حذفه جر أو نصب، قولان.
وقوله:"أن يرملوا الأشواط كلها"، أي: بأن يرملوا، فحذف الجار كذلك أو لا حذف أصلا؛ لأنه يقال: أمرته بكذا وأمرته كذا.
وقوله:"إلا الإبقاء عليهم" بكسر الهمزة وسكون الموحدة، وبالقاف ممدودًا مصدر بقي عليه إذا وفق به، وهو مرفوع فاعل لم يمنعه، أي: لم يمنعه عليه الصلاة والسلام أن يأمرهم بالرمل في الطوفات كلها إلا الإبقاء عليهم، لكن الإبقاء لا يناسب أن يكون هو الذي منعه من ذلك إذ الإبقاء معناه الرفق، فلابدّ من تأويله بإرادة ونحوها.
أي: لم يمنعه من الأمر بالرمل في الأربعة إلا إرادته عليه الصلاة والسلام الإبقاء عليهم، فلم يأمرهم به، وهم لا يفعلون شيئًا إلا بأمره، وقول الزركشي: وتبعه ابن حجر والعيني يجوز النصب على أنه مفعول لأجله، ويكون في يمنعهم ضمير عائد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- هو فاعله، تعقبه في المصابيح بأن تجويز النصب مبني على أن يكون في لفظ البخاري لم يمنعهم، وليس كذلك إنما فيه لم يمنعه، فرفع الإبقاء متعين لأنه هو الفاعل، وهذا الذي قاله الزركشي وقع للقرطبي في شرح مسلم، وفي الحديث: فلم يمنعهم، فجوز فيه الوجهين، وهو ظاهر لكن نقله إلى ما في البخاري غير متأت.
وقد اختلف العلماء في الرمل، هل هو سنة من سنن الحج لا يجوز تركها أو ليس بسنة؟ لأنه كان لعلة وقد زالت فمن شاء فعله اختيارًا فروي عن عمر وابن مسعود أنه سنة، وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد، وقال آخرون: ليس بسنة، من شاء فعله، ومن شاء تركه، وهذا قول طاووس والحسن وعطاء والقاسم وغيرهم، والجمهور على أنه يستوعب البيت بالرمل.
وفي قوله:"لا يرمل بين الركنين"، والمرأة لا ترمل بالإجماع لأنه يقدح في الستر، وليست من أهل الجَلَد ولا تهرول أيضًا بين الصفة والمروة في السعي، ولا يشرع تدارك الرمل، فلو تركه في الثلاث لم يقضه في الأربع لأن هيئتها السكينة، فلا تغير، وهو خاص بطواف يعقبه سعي على المشهور، ولا فرق في استحبابه بين ماشٍ وراكب، ولا دم بتركه عند الجمهور، واختلف عند المالكية، وقال الطبري: قد ثبت أن الشارع رمل ولا مشرك بمكة يومئذ في حجة الوداع، فعلم أنه من مناسك الحج إلا أن تاركه ليس تاركًا لعمل بل لهيئة مخصوصة، فكان كرفع الصوت بالتلبية، فمن لبى خافضًا صوته لم يكن تاركًا للتلبية بل لصفتها, ولا شيء