وعند أحمد في "مسنده" أذن للعباس بن عبد المطلب أن يبيت بمكة ليالي مني من أجل السقاية، والمراد بأيام مني ليلة الحادي عشر، واللتان بعدها، وفي رواية ابن جريج عند أحمد أن مبيت تلك الليلة بمنى وكأنه بمنى ليلة الحادي عشر؛ لأنها تعقب يوم الإفاضة، وأكثر الناس يفيضون يوم النحر، ثم في الذي يليه، وهو الحادي عشر، وفي الحديث دليل على وجوب المبيت بمنى وأنه من مناسك الحج؛ لأن التعبير يقتضي أن مقابلها عزيمة، وأن الإذن وقع للعلة المذكورة، وإذا لم توجد أو ما في معناها لم يحصل الإذن، وبالوجوب قال الجمهور.
وفي قول للشافعي ورواية عن أحمد، وهو مذهب الحنفية: إنه سنة ووجوب الدم بتركه مبني على هذا الخلاف، ولا يحصل المبيت إلا بمعقم الليل، وهل يختص الإذن بالسقاية وبالعباس أو بغيره ذلك من الأوصاف المقيّدة في هذا الحكم، فقيل: يختص الحكم بالعباس وهو جمود، وقيل: يدخل معه آله، وقيل: قومه وهم بنو هاشم، وقيل: كل من احتاج إلى السقاية فله ذلك، ثم قيل أيضًا: يختص الحكم بسقاية العباس حتى لو عملت سقاية لغيره لم يرخص لصاحبها في المبيت لأجلها، ومنهم من عممه وهو الصحيح في الموضعين، والعلة في ذلك إعداد الماء للشاربين، وهل يختص ذلك بالماء أو يلتحق به ما في معناه من الأكل وغيره محل احتمال، وجزم الشافعية بإلحاق من له مال يخاف ضياعه أو أمر يخاف فوته، أو مريض يتعاهده بأهل السقاية كما جزم الجمهور بإلحاق الرعاء خاصة لما أخرجه الترمذي، وقال صحيح حسن أنه عليه الصلاة والسلام رخص للعباس ولرعاء الإبل وهو قول أحمد.
واختاره ابن المنذر، أعني الاختصاص بأهل السقاية والرعاء للإبل، والمعروف عن أحمد اختصاص العباس بذلك، وعليه اقتصر صاحب المغني.
وقال المالكيهَ: يجب الدم في المذكورات سوى الرعاء، قالوا: ومن ترك المبيت بغير عذر، وجب عليه دم عن كل ليلة، والمرخص فيه عند المالكية لصاحب السقاية ترك المبيت خاصة فلابد أن يأتي نهارًا للرمي، ثم ينصرف لأن ذا السقاية ينزع الماء من زمزم ليلاً ويفرغه في الحياض، وأما الراعي فقد رخص له أن ينصرف بعد رمي العقبة، ويترك المبيت ليلة الحادي عشر، والثاني عشر، ويأتي اليوم الثالث عشر فيرمي لليومين اليوم الثاني الذي فاته وهو في رعيه، والثالث الذي حضر فيه، ثم إن شاء تعجل، وإن شاء أقام لرمي الثالث من أيام الرمي، وقال الشافعي: عن كل ليلة مد، وقيل عنه التصدق بدرهم، وعن الثلاث دم، وهي رواية عن أحمد، والمشهور عنه وعن الحنفية: لا شيء عليه، واحتجت الحنفية على