طوافين، وسعى لهما سعيين، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعل، وطرقه عن علي عند عبد الرزاق والدارقطني وغيرهما ضعيفة، وكذا أخرج عن ابن مسعود بإسناد ضعيف، وأخرج عن ابن عمر نحو ذلك، وفيه الحسن بن عمارة، وهو متروك، والمخرج في الصحيحين والسنن عنه في طرق كثيرة الاكتفاء بطواف واحد، وقال البيهقي: إن ثبتت الرواية أنه طاف طوافين فيحمل على طواف القدوم وطواف الإفاضة، وأما السعي مرتين فلم يثبت، وقال ابن حزم: لا يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أحد من أصحابه في ذلك شيء أصلًا، قال في "الفتح": لكن روى الطحاوي وغيره مرفوعًا عن علي وابن مسعود ذلك بأسانيد لا بأس بها إذا اجتمعت، ولم أر في الباب أصح من حديثي ابن عمر وعائشة المذكورين في الباب، وأجاب الطحاوي عن حديث ابن عمر بأنه اختلف عليه في كيفية إحرام النبي -صلى الله عليه وسلم- وأن الذي يظهر من مجموع الروايات عنه أنه عليه الصلاة والسلام أحرم أولًا بحجة ثم فسخها، فصيّرها عمرة، ثم تمتع بها إلى الحج، كذا قال الطحاوي مع جزمه قبل ذلك بأنه كان قارنًا، وهب أن ذلك كما قال، فلم لا يكون قول ابن عمر: هكذا فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أي: أمر من كان قارنًا أن يقتصر على طواف واحد، وحديث ابن عمر المذكور ناطق بأنه عليه الصلاة والسلام كان قارنًا، فإنه مع قوله فيه: تمتع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وصف فعل القِران حيث قال: بدأ فأهل بالعمرة، ثم أهلّ بالحج، وهذا من صور القِران، وغايته أنه سماه تمتعًا لأن الإحرام عنده بالعمرة في أشهر الحج كيف كان يسمى تمتعًا، ثم أجاب عن حديث عائشة بأنها أرادت بقولها:"وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة فإنما طافوا لهما طوافًا واحدًا" تعني الذين تمتعوا بالعمرة إلى الحج؛ لأن حجتهم كانت مكية، والحجة المكية لا يطاف لها إلا طواف واحد بعد عرفة، قال: والمراد بقولها: "جمعوا بين الحج والعمرة" جمع متعة لا قِران.
ويا للعجب كيف ساغ له التأويل وحديث عائشة مفصل للحالتين، فإنها صرحت بفعل من تمتع، ثم من قرن حيث قالت:"فطاف الذين أهلوا بالعمرة، ثم أحلوا طوافًا آخر بعد أن رجعوا من منى" فهؤلاء أهل التمتع، ثم قالت:"وأما الذين جمعوا" الخ، فهؤلاء أهل القران، وهذا بيّن من أن يحتاج إلى إيضاح. وروى مسلم عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: لم يطف النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافًا واحدًا، ومن طريق طاووس عن عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لها:"يسعك طوافك لحجك وعمرتك"، وهذا صريح في الإجزاء، وإن كان العلماء اختلفوا فيما كانت عائشة محرمة به، وروى عبد الرزاق عن سلمة بن كهيل، قال: حلف طاووس ما طاف أحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لحجه وعمرته إلا