للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رضي الله عنهما، عَنْ رَجُلٍ طَافَ بِالْبَيْتِ فِي عُمْرَةٍ، وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، أَيَأْتِي امْرَأَتَهُ؟ فَقَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، فَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.

هذا الحديث مرَّ الكلام عليه في باب صلى النبي لسُبوعه ركعتين، وقال ابن الملقن: هنا قال صاحب "المحيط" من الحنفية: لو بدأ بالمروة وختم بالصفا أعاد شوطًا؛ فإن البداءة واجبة، ولا أصل لما قال الكرماني إن الترتيب ليس بشرط، ولكن تركه مكروه لترك السنة، فيستحب إعادة الشوط، والكرماني المذكور عالم من الحنفية، وليس هو شمس الدين الكرماني شارح البخاري، فإنه شافعي المذهب يرى الترتيب شرطًا في صحة السعي، وأخرج مسلم في هذا الباب حديث جابر أنه عليه الصلاة والسلام لما فرغ من الركعتين بعد طوافه خرج إلى الصفا، فقال: "أبدأ بما بدأ الله به"، ورواه النسائي بلفظ الأمر، فقال: "ابدؤوا بما بدأ الله به"، واستدل به على اشتراط البداءة، وقال ابن عبد السلام: المروة أفضل من الصفا؛ لأنها تقصد بالذكر والدعاء أربع مرات بخلاف الصفا فإنما تقصد ثلاثًا، قال: وأما البداءة بالصفا فليس بوارد لأنه وسيلة، وفي هذا نظر لأن الصفا تقصد أربعًا أيضًا أولها عند البداءة، فكل منهما مقصود بذلك، ويمتاز بالابتداء، وعند التنزل يتعادلان، ثم ما ثمرة هذا التفضيل مع أن العبادة المتعلقة بهما لا تتم إلا بهما معًا، قلت: يمكن أن تكون الثمرة كثرة الأجر في الدعاء على الفضلى منهما، ويشترط أن يكون السعي بعد طواف صحيح سواء كان طواف قدوم أو إفاضة، ولا يصح بعد طواف الوداع، فلو سعى وطاف أعاده إن كان بمكة، وإن رجع إلى أهله بعث بدم، وشذ إمام الحرمين، فقال: قال بعض أئمتنا: لو قدّم السعي على الطواف اعتد بالسعي، وهذا غلط، ونقل الماوردي وغيره الإجماع على اشتراط ذلك، وقال عطاء: يجوز السعي من غير تقدم طواف وهو غريب، وعند المالكية: يصح أن يكون السعي بعد طواف نفل، والموالاة بين مرات السعي، فلو تخلل بيسير أو طويل بينهن لم يضر، وكذا بينه وبين الطواف، ويستحب السعي على طهارة من الحدث والنجس ساترًا عورته، والمرأة تمشي ولا تسعى لأنه أستر لها كما مرَّ، وقال ابن التين: يكره للرجل أن يقعد على الصفا إلا لعذر، وضعّف ابن القاسم في روايته عن مالك رفع يديه على الصفا والمروة، وقال ابن حبيب: يرفعهما حذو منكبيه وبطونهما إلى الأرض، ثم يكبر ويهلل ويدعو، وقال غيره من المتأخرين: الدعاء والتضرع إنما يكون وبطونهما إلى السماء، ولو ترك السعي ببطن

<<  <  ج: ص:  >  >>