أرسلت بسؤال أم الفضل لها في ذلك لكشف الحال، ويحتمل العكس، ولم يسم الرسول في طرق حديث أم الفضل، لكن روى النسائي عن ابن عباس ما يدل على أنه كان الرسول بذلك، ويقوي ذلك أنه كان ممن جاء عنه أنه أرسل إما أمه وإما خالته.
وقوله:"بشراب"، في رواية الصوم: وهو واقف على بعيره، زاد أبو نعيم في "المستخرج" عن مالك: وهو يخطب الناس بعرفة، وللمصنف في "الأشربة": وهو واقف عشية عرفة، ولأحمد والنسائي عن عبد الله بن عباس، عن أمه أم الفضل أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفطر بعرفة.
وقوله:"فشربه" زاد في حديث ميمونة: والناس ينظرون، وفي حديثها: فأرسلت إليه بحلاب بكسر المهملة، وهو الإناء الذي يجعل فيه اللبن، وقيل: الحلاب: اللبن المحلوب، وقد يطلق على الإناء، ولو لم يكن فيه لبن.
واستدل بالحديث على استحباب الفطر يوم عرفة بعرفة، وفيه نظر لأن فعله المجرد لا يدل على نفي الاستحباب إذ قد يترك الشيء المستحب لبيان الجواز، ويكون في حقه أفضل لمصلحة التبليغ، نعم روى أبو داود والنسائي، وصححه ابن خزيمة والحاكم عن عكرمة أن أبا هريرة حدثهم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة، وأخذ بظاهره بعض السلف، فجاء عن يحيى بن سعيد الأنصاري: يجب فطر يوم عرفة للحاج، وعن ابن الزبير وأسامة بن زيد وعائشة أنهم كانوا يصومونه، وكان ذلك يعجب الحسن ويحكيه عن عثمان.
وعن قتادة مذهب آخر، قال: لا بأس به إن لم يضعف عن الدعاء، ونقله البيهقي في المعرفة عن الشافعي في القديم، واختاره المتولي والخطابي من الشافعية، وقال الجمهور: يستحب فطره حتى قال عطاء: من أفطره ليتقوى به على الذكر كان له أجر الصائم، قال في "المجموع": قول الجمهور سواء أضعفه الصوم عن الدعاء وأعمال الحج أم لا؟، وعند المالكية: يكره للحاج صومه لئلا يضعفه عن العبادة، والصحيح عند الشافعية أنه خلاف الأولى لا مكروه، وعلى كل حال يستحب فطره للحاج للاتباع كما دل عليه حديث الباب، وإن كان قيل فيه ما تقدم، وليتقوى به على الدعاء، وعند الحنفية عدم الكراهة كما قالت الشافعية، وقال الطبري: إنما أفطر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعرفة ليدل على الاختيار للحاج بمكة لكي لا يضعف عن الدعاء والذكر المطلوب يوم عرفة، وقيل: إنما أفطر لموافقته يوم الجمعة، وقد نهى عن إفراده بالصوم، ويبعده سياق أول الحديث، وقيل: إنما كره صوم يوم عرفة لأنه يوم عيد لأهل الموقف لاجتماعهم فيه، ويؤيده ما رواه أصحاب السنن عن عقبة بن عامر مرفوعًا: