السلام، وعنه المراد به الإِمام، وعن غيره آدم، وقرىء في الشواذ: الناسي بكسر السين بوزن القاضي، والأول أصح، نعم الوقوف بعرفة موروث عن إبراهيم كما روى الترمذي وغيره عن يزيد بن شيبان، قال: كنا وقوفًا بعرفة فأتانا ابن مربع بكسر الميم وسكون الراء وفتح الباء، فقال: إني رسول الله إليكم يقول لكم: كونوا على مشاعركم، فإنكم على إرث إبراهيم، الحديث، ولا يلزم من ذلك أن يكون هو المراد خاصة بقوله {مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} بل هو لأعم من ذلك، والسبب فيه ما حكته عائشة رضي الله تعالى عنها.
ودل هذا الحديث على أن المراد بقوله تعالى:{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} الإفاضة من عرفة، وظاهر سياق الآية أنها الإفاضة من مزدلفة لأنها ذكرت بلفظ، ثم ذكر الأمر بالذكر عند المشعر الحرام، وأجاب بعض المفسرين بأن الأمر بالذكر عند المشعر الحرام بعد الإفاضة من عرفات التي سيقت بلفظ الخبر لما ورد منه على المكان الذي تشرع الإفاضة منه، فالتقدير: فإذا أفضتم فاذكروا، ثم لتكن إفاضتكم من حيث أفاض الناس لا من حيث كان الحمس يفيضون، أو التقدير: فإذا أفضتم من عرفات إلى المشعر الحرام فاذكروا الله عند المشعر الحرام، ولتكن إفاضتكم من المكان الذي يفيض منه الناس غير الحمس، وقيل: إن "ثم" في الآية بمعنى الواو، واختاره الطحاوي، وقيل: لقصد التأكيد لا لمحض الترتيب، والمعنى: فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام إلى آخر ما مرَّ قريبًا، وقال الزمخشري: موقع "ثم" هنا موقعها من قولك أحسن إلى الناس ثم لا تحسن إلى غير كريم، فتأتي، ثم لتفاوت ما بين الإحسان إلى الكريم، والإحسان إلى غيره، فكذلك حين أمرهم بالذكر عند الإفاضة من عرفات بيَّن لهم مكان الإفاضة، فقال: ثم أفيضوا لتفاوت ما بين الإفاضتين، وأن إحداهما صواب والأخرى خطأ، قال الخطابي: تضمن قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} الأمر بالوقوف بعرفة لأن الإفاضة إنما تكون عند اجتماع قبله، وكذا قال ابن بطال: وزاد وبيَّن الشارع مبتدأ الوقوف بعرفة ومنتهاه، وعرفات علم للموقف وهو منصرف إذ لا تأنيث فيه؛ لأن التاء الموجودة فيه علامة جمع المؤنث، ولا يصح تقدير التاء فيها لأن هذه التاء التي هي لجمع المؤنث مانعة من التقدير كما لا يقدر تاء التأنيث في "بنت" لاختصاص التاء التي فيها بالمؤنث، فمنعت تقدير التاء، وسميت عرفات بهذا الاسم إما لأنها وصفت لإبراهيم عليه الصلاة والسلام، فلما أبصرها عرفها أو لأن جبريل عليه الصلاة والسلام حين كان يدور به في المشاعر أراه إياها، فقال: عرفت أو لأن آدم عليه الصلاة والسلام هبط من الجنة بأرض الهند، وحواء عليها السلام بجدة، فالتقيا ثم تعارفا، أو لأن الناس