وقوله:"ما بدا لهم" بغير همز، أي: ظهر لهم وأشعر ذلك بأنه لا توقيت لهم فيه.
وقوله:"ثم يرجعون" في رواية مسلم: ثم يدفعون، وهو أوضح، ومعنى الأول أنهم يرجعون عن الوقوف إلى الدفع، ثم يقدمون منى على ما فصل في الخبر.
وقوله:"لصلاة الفجر"، أي: عند صلاة الفجر.
وقوله:"وكان ابن عمر يقول أرخص في أولئك" الخ، كذا وقع فيه أرخص، وفي بعض الروايات رخص بالتشديد، وهو أظهر من حيث المعنى لأنه من الترخيص لا من الرخص، واحتج به ابن المنذر لقول من أوجب المبيت بمزدلفة على غير الضعفة لأن حكم من لم يرخص له ليس كحكم من رخص له، قال. ومن زعم أنهما سواء لزمه أن يجيز المبيت في غير منى لسائر الناس لكونه عليه الصلاة والسلام أرخص لأصحاب السقاية وللرعاء أن لا يبيتوا بمنى، قال: فإن قال لا تعدوا بالرخص مواضعها فليستعمل ذلك هنا، ولا يأذن لأحد أن يتقدم من جمع إلا من رخص له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وقد اختلف السلف في هذه المسألة، فقال علقمة والنخعي والشعبي: من ترك المبيت بمزدلفة فإنه الحج، وقال عطاء والزهري وقتادة والشافعي والكوفيون وإسحاق: عليه دم، قالوا: ومن بات بها لم يجز له الدفع قبل النصف، وقال مالك: إن مرَّ بها لم ينزل فعليه دم، وإن نزل فلا دم عليه متى دفع وصحح الرافعي من الشافعية هذا المذهب، وقال النووي: يجب المبيت بمزدلفة على غير المعذور، ويحصل المبيت بها بحضورها لحظة في النصف الثاني كالوقوف بعرفة، نصّ عليه في "الأم" وبه قطع جمهور العراقيين وأكثر الخراسانيين، وقيل: يشترط معظم الليل، كما لو حلف لا يبيت بموضع فإنه لا يحنث إلا بمعظم الليل، وهذا صححه الرافعي، واستشكله من جهة أنهم لا يصلونها حتى يمضي ربع الليل مع جواز الدفع بعد نصف الليل.
وقال أبو حنيفة بوجوب المبيت أيضًا، ووقّت الوقوف بالمشعر بعد طلوع القجر إلى أن يسفر جدًا، قال العيني: عند أصحابنا الحنفية لو ترك الوقوف بها بعد الصبح من غير عذر فعليه دم، وإن كان لعذر الزحام فتعجل السير إلى منى فلا شيء عليه، وقال القسطلاني: المعروف أن المشعر موضع خاص بالمزدلفة، ويحصل أصل السنة بالمرور، وإن لم يقف كما في عرفة، نقله في "الكفاية" عن القاضي، وأقره، وقال النووي وابن الصلاح: المشعر جبل صغير بآخر المزدلفة، يقال له قُزح بضم القاف وفتح الزاي ثم حاء مهملة، وهو منها لأنها ما بين حازمي عرفة ووادي محسر، وقد استبدل الناس الوقوف به علي بناء محدث هناك