عليه الصلاة والسلام اشترط على ربه ما اشترط لهلك ذلك الرجل لا محالة.
قال القرطبي: ويحتمل أن يكون فهم منه أنه يترك ركوبها على عادة الجاهلية في السائبة وغيرها فزجره عن ذلك فعلى الحالتين هي إنشاء ورجحه عياض وغيره قالوا والأمر هنا، وإن قلنا إنه للإرشاد، ولكنه استحق الذم عن امتثال الأمر والذي يظهر أنه ما ترك الامتثال عنادًا ويحتمل أن يكون ظن أنه يلزمه غرم بركوبها أو إثم وأن الإذن الصادر له بركوبها إنما هو للشفقة عليه فتوقف فلما أغلظ له بادر إلى الامتثال، وقيل لأنَّه كان أشرف على هلكة من الجهد وويل كلمة تقال لمن وقع في هلكة فالمعنى أشرفت على الهلكة فاركب فعلى هذا فهي أخبار. وقيل: هي كلمة تدعم بها العرب كلامها ولا تقصد معناها كقولهم لا أم لك، ويقويه ما تقدم في بعض الروايات بلفظ ويحك بدل ويلك، قال الهروي: ويل تقال لمن وقع في هلكة يستحقها، وويح لمن وقع في هلكة لا يستحقها وأستدل بالحديث على جواز ركوب الهدي سواء كان واجبًا أو متطوعًا به لكونه عليه الصلاة والسلام لم يستفصل صاحب الهدي عن ذلك، فدل على أن الحكم لا يختلف بذلك، وأصرح من هذا ما أخرجه أحمد عن علي رضي الله تعالى عنه أنه سئل أهل يركب الرجل هديه؟ فقال: لا بأس، قد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يمر بالرجال يمشون فيأمرهم يركبون هديه أي: هدي النبي عليه الصلاة والسلام.
إسناده صالح وبالجواز مطلقًا قال عروة بن الزبير ونسبه ابن المنذر لأحمد وإسحاق وبه قال أهل الظاهر وهو الذي جزم به النووي في الروضة تبعًا لأصله في الضحايا ونقله في شرح المهذب عن القفال والماوردي ونقل فيه عن أبي حامد والبنديجي وغيرهما تقييده بالحاجة وقال الرباني: تجويزه بغير حاجة يخالف النص وهو الذي حكاه الترمذي عن الشافعي وأحمد وإسحاق وأطلق ابن عبد البر كراهة ركوبها بغير حاجة عن مالك والشافعي وأبي حنيفة وأكثر الفقهاء وقيده صاحب الهداية من الحنفية بالاضطرار إلى ذلك وهو المنقول عن الشعبي عند ابن أبي شيبة ولفظه لا يركب الهدي إلا من لا يجد منه أو لفظ الشافعي الذي نقله ابن المنذر وترجم له البيهقي بركب إذا اضطرر كوبًا غير فادح.
وقال ابن العربي: عن مالك يركب للضرورة فإذا استراح نزل ومقتضى من قيده بالضرورة أن من انتهت ضرورته لا يعود إلى ركوبها إلا من ضرورة أخرى، والدليل على اعتبار هذه القيود الثلاثة وهي الاضطرار والركوب بالمعروف وانتهاء الراكب بانتهاء الضرورة ما رواه مسلم عن جابر مرفوعًا اركبها بالمعروف إذا الجئت إليها حتى تجد ظهرًا، فإن مفهومه أنه إذا وجد غيرها تركها.
وروى سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي قال: يركبها إذا أعيا قدر ما يستريح على ظهرها. وفي المسألة مذهب خامس وهو المنع مطلقًا. نقله ابن العربي عن أبي حنيفة، وشنع