للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: "بين الجمرات" بفتح الجيم والميم فيه تعيين البقعة التي وقف فيها، كما أن في الرواية التي قبلها تعيين المكان، كما أن في حديثي ابن عباس وأبي بكرة تعيين اليوم، ووقع تعيين الوقت من اليوم في رواية ابن عمرو المزني في رواية أبي داود والنسائي، ولفظه: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى. الحديث.

وقوله: "في الحجة التي حج" هذا هو المعروف عند من ذكر ممن رواه كما يأتي، وفي رواية الكشميهني: في حجته التي حج، وللطبراني: في حجة الوداع.

وقوله: "بهذا" أي: بالحديث الذي تقدم من طريق محمد بن زيد عن جدّه وأراد المصنف بذلك أصل الحديث، وأصل معناه، لكن السياق مختلِف، فإن في طريق محمد بن زيد أنهم أجابوا بقولهم: الله ورسوله أعلم، وفي هذا عند ابن ماجه وغيره في أجوبتهم قالوا: يوم النحر، قالوا: بلد حرام، قالوا: شهر حرام، ويجمع بينهما بنحو ما تقدم، وهو أنهم أجابوا أولًا بالتفويض، فلما سكت أجابوا بالمطلوب، وأغرب الكرماني فقال: قوله: "بهذا" أي: وقف متلبسًا بهذا الكلام.

وقوله: وقال: "هذا يوم الحج الأكبر" فيه دليل لمن يقول: إن يوم الحج الأكبر، هو يوم النحر، وقد مرَّ الكلام عليه مستوفىً أوائل كتاب الصلاة في باب ما يستر من العورة.

وقوله: "فطفق" في رواية ابن ماجه وغيره بين قوله: يوم الحج الأكبر، وبين قوله: فطفق من الزيادة: "ودماؤكم، وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة هذا البلد، في هذا اليوم" وقد وقع معنى ذلك في طريق محمد بن زيد أيضًا.

وقوله: "فودع الناس" وعند البيهقي في طريق ضعيفة من حديث ابن عمر سبب ذلك، ولفظه: أنزلت: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في وسط أيام التشريق وعرف أنه الوداع، فأمر راحلته القصواء فرحلت له، فركب ووقف بالعقبة، واجتمع الناس إليه فقال: "أيها الناس" فذكر الحديث، وفي هذه الأحاديث دلالة على مشروعية الخطبة يوم النحر، وبه أخذ الشافعي ومن تبعه، وخالف ذلك المالكية والحنفية قالوا: خطب الحج ثلاثة: سابع ذي الحجة، ويوم عرفة، وثاني يوم النحر، ووافقهم الشافعي إلا أنه قال بدل ثاني النحر ثالثه، لأنه أول النفر، وزاد خطبة رابعة وهي: يوم النحر، وقال: إن بالناس حاجة إليها ليتعلموا أعمال ذلك اليوم من الرمي والذبح والحلق، والطواف، وقد استوفيت الكلام على خطب الحج عند الأئمة في باب التهجير بالرواح يوم عرفة عند حديث ابن عمر، وتعقب الطحاوي على الشافعي ما مرَّ عنه، بأن الخطبة المذكورة ليست من متعلقات الحج؛ لأنه لم يذكر فيها شيئًا من أمور الحج، وإنما ذكر فيها وصايا عامة، ولم ينقل أحد أنه علمهم فيها شيئًا من الذي يتعلق بيوم النحر، فعرفنا أنها لم تقصد لأجل الحج.

<<  <  ج: ص:  >  >>