للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأسود مثل هذا، فقال: إن كان أسود فشعره أبيض، ولقد استحق بما قال أكثر مما نال، وهل أعطيناه إلا ما يفنى ويبلى، وأعطانا مدحا يروى وثناء يبقى، وقيل: إنما جرى هذا الخبر لعبد الله بن جعفر مع عبد الله بن قيس الرقيات، وأخباره في الجود كثيرة جدًا شهيرة، ومن سخائه ما روي أنه أسلف الزبير ألف ألف درهم، فلما توفي الزبير جاء ابنه عبد الله إلى ابن جعفر وقال له: إني وجدت في كتب أبي أن له عليك ألف ألف درهم، فقال: هو صادق، فاقبضها إذا شئت، ثم وجده فقال: وهمت المال لك عليه، فقال: لا أريد ذلك.

له خمسة وعشرون حديثًا، اتفقا على حدثيين، روى عن عمه علي وأبي بكر، وعثمان، وعمار بن ياسر، وروى عنه بنوه إسماعيل وإسحاق ومعاوية، وأبو جعفر الباقر وغيرهم، كان له عند موت النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين، ومات سنة ثمانين عام الجحاف، وهو سيل كان ببطن مكة جحف الحاج، وذهب بالإبل، وعليها الحمولة وصلى عليه أبان بن عثمان، وهو أمير المدينة حينئذ لعبد الملك بن مروان وكان له يوم مات تسعون سنة أو ثمانون.

والثاني: قثم بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم أخو عبد الله وأخوته، أمه أم الفضل، قال ابن السكن: كان يشبه بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا يصح سماعه منه، وأخرج البغوي أن أم الفضل قالت للنبي -صلى الله عليه وسلم-: رأيت كان في بيتي عضوًا من أعضائك قال: "خيرًا رأيت، تلد فاطمة غلامًا، ترضعينه بلبن ابنك قثم" فولدت الحسن الحديث، وهذا الحديث يدل على أن الحسن أصغر من قثم، وقال البخاري في التاريخ: عن عبد الله بن جعفر قال: لو رأيتني وقثم بن العباس وعبيد الله بن العباس نلعب، إذ مرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- على دابته، فقال: "ارفعوا هذا إليَّ فحملني أمامه، ثم قال لقثم: ارفعوا هذا إليَّ فحمله وراءه" وكان عبيد الله أحب إلى العباس، فلم يستح من عمه أن قثما تركه، وقال ابن عباس: وعلى أن قثما كان آخر الناس عهدا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذلك أنه كان آخر من خرج من قبره، ممن نزل فيه، وقد ادعى ذلك المغيرة بن شعبة في قصة لم تثبت، كان قثم واليًا لعلي رضي الله تعالى عنه على مكة، وذلك أن عليًا لما ولي الخلافة عزل خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي عن مكة، وولاها أبا قتادة الأنصاري، ثم عزله وولى قثم بن العباس، ولم يزل واليا إلى أن قتل علي رضي الله تعالى عنه، وقيل: إنه كان واليا على المدينة، مات قثم بسمرقند، واستشهد بها، وكان خرج إليها مع سعيد بن عثمان بن عفان زمن معاوية، وفيه يقول داود بن سلم:

عتقت من حلي ومن رحلتي ... يا ناق إن أدنيتني من قثم

إنك إن أدنيت منه غدًا ... حالفني اليسر ومات العدم

في كفه بحر وفي وجهه ... بدر وفي العرنين منه شمم

أصم عن فعل الخنا سمعه ... وما عن الخير به من صمم

لم يدر مالا وبلى قد درى ... فعافها واعتاض منها نعم

<<  <  ج: ص:  >  >>