وأرسل إبراهيم بن الأشتر في عسكر كثيف، فلقي عبيد الله بن زياد الذي كان جهز الجيش إلى الحسين فحاربوه، فقتل عبيد الله في تلك الوقعة، فلذلك أحب المختار كثير من المسلمين، فإنه أبلى في ذلك بلاءً حسنًا، وكان يرسل المال إلى ابن عمر، وهو صهره زوج أخته صفية، وإلى ابن عباس، وإلى ابن الحنفية، ويقبلونه، ثم وقع بين ابن الزبير وابن العباس وابن الحنفية ما وقع لكونهما امتنعا من بيعته، فحصرهما ومن كان من جهتهما في الشعب، فبلغ ذلك المختار فأرسل عسكرًا كثيفًا، وأمَّر عليهم أبا عبد الله الجدلي فهجموا مكة وأخرجوهما من الشعب، فلحقا بالطائف فشكر الناس للمختار ذلك، وفي ذلك يقول المختار أنشده له المرزباني:
تسربلت من همدان درعا حصينة ... ترد العوالي بالأنوف الرواغم
همو نصروا آل النبي محمد ... وقد أجحفت بالناس إحدى العظائم
وفوا حين أعطوا عهدهم لإمامهم ... وكفوا عن الإِسلام سيف المظالم
ثم قوي مصعب بن الزبير أمير البصرة عن أخيه عبد الله على المختار بكثير من أهل الكوفة، ممن كان دخل في طاعة المختار، ورجع عنه، فلما التقى المختار ومصعب خذل المختار أولئك الذين كانوا معه، فحوصر المختار في القصر إلى أن قتل هو ومن معه، ولما انقضى المختار سار عبد الملك بن مروان، بعد قليل بجيوش الشام إلى مصعب بن الزبير فقتل، واستولى عبد الملك على البصرة، ثم على الكوفة، وذكر عبد الملك بن عمير أنه رأى عبيد الله بن زياد، وقد أتى برأس الحسين رضي الله تعالى عنه، ثم رأى المختار وقد أتي برأس عبيد الله بن زياد، ثم رأى مصعب بن الزبير وقد أتي برأس المختار، ثم رأى عبد الملك وقد أتي برأس مصعب، وقد شهد على المختار بدعوى النبوءة والكذب الصريح جماعة من أهل البيت، ومما ورد في ذلك ما أخرجه أحمد في مسند عمرو بن الحمق، عن رفاعة الغساني قال: دخلت على المختار فألقى إلى وسادة، وقال: لولا أن أخي جبرئيل قام عن هذه -وأشار إلى أخرى عنده- لألقيتها إليك، فأردت أن أضرب عنقه إلخ الحديث وقال ابن حبان في ترجمة صفية بنت أبي عبيد في الثقات: هي أخت المختار المتنبي بالعراق، وأقوى ما ورد في ذمه ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أسماء بنت أبي بكر؛ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:"يكون في ثقيف كذاب، ومبير" فشهدت أسماء أن الكذاب هو المختار المذكور وقد قتل المختار محمد بن عمار بن ياسر ظلمًا؛ لأنه سأله أن يحدث عن أبيه بحديث كذب، فلم يفعل فقتله، وقد قال في الإصابة: إنه إذا كان ولد سنة الهجرة، وقد صح أنه لم يبق بمكة، ولا الطائف أحد من قريش ولا ثقيف إلا شهد حجة الوداع، قال: فمن ثم يكون المختار من هذا القسم إلاَّ أن أخباره رديئة. وهذا يرد ما مرَّ من كونه لا رؤية له.