وقوله:"احلق رأسك وصم" قال ابن قدامة: لا نعلم خلافًا في إلحاق الإزالة بالحلق سواء كان بموسى أو مقص، أو نورة أو غير ذلك، وأغرب ابن حزم فأخرج النتف عن ذلك، فقال: يلحق جميع الإزالات بالحلق إلاَّ النتف.
وقوله:"أو أطعم" ليس في هذه الرواية بيان قدر الإطعام وسيأتي البحث فيه بعد باب وهو ظاهر في التخيير بين الصوم، والإطعام، وكذا.
قوله: أو انسك بشاة، وفي رواية الكشميهني شاة بغير موحدة والأول تقديره: تقرب بشاة ولذلك عداه بالباء والثاني تقديره اذبح شاة، والنسك يطلق على العبادة وعلى الذبح المخصوص، وسياق رواية الباب موافق للآية وقد تقدم إن كعبًا قال:"إنها نزلت بهذا السبب، وقد قدمت في أول الباب أن رواية عبد الكريم صريحة في التخيير حيث قال: أي ذلك فعلت أجزا، وكذا رواية أبي داود التي فيها: "أن شئت وإن شئت" ووافقتها رواية ابن أبي نجيح أخرجها مسدد في مسنده، ومن طريقه الطبراني لكن رواية عبد الله بن معقل الآتية بعد باب تقتضي أن التخيير إنما هو بين الصيام والإطعام لمن لم يجد النسك، ولفظه قال: أتجد شاة؟ قال: لا، قال: فصم أو أطعم، ولأبي داود وفي رواية أخرى "أمعك دم؟ قال: فإن شئت فصم" ونحوه للطبراني عن عطاء، عن كعب ووافقهم أبو الزبير عن مجاهد عند الطبراني وزاد بعد.
قوله: "ما أجد هديًا" قال: فأطعم قال: ما أجد، قال: صم، ولهذا قال أبو عوانة: في "صحيحه": فيه دليل على أن من وجد نسكا لا يصوم يعني ولا يطعم، لكن لا يعرف من قال بذلك من العلماء إلا ما رواه الطبري وغيره عن سعيد بن جبير قال: النسك شاة، فإن لم يجد قومت الشاة دراهم، والدراهم طعامًا فتصدق به أو صام، لكل نصف صاع يومًا. أخرجه عن الأعمش عنه قال: فذكرته لإِبراهيم فقال: سمعت علقمة مثله. فحينئذ يحتاج إلى الجمع بين الروايتين، وقد جمع بينهما بأوجه منها ما قال: ابن عبد البر أن فيه الإشارة إلى ترجيح الترتيب لا لإيجابه، ومنها ما قال النووي: ليس المراد أن الصيام أو الإطعام لا يجزىء إلَّا لعادم الهدي بل المراد أنه استخبره هل معه هدي أو لا فإن كان واحده أعلمه أنه غير بينه وبين الصيام والإطعام، وإن لم يجده أعلمه أنه غير بينهما ومحصله أنه لا يلزم من سؤاله عن وجدان الذبح تعيينه لاحتمال أنه لو أعلمه أنه يجده لأخبره بالتخيير بينه وبين الإطعام، والصيام. ومنها ما قال غيرهما: يحتمل أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أذن له في حلق رأسه بسبب الأذى أفتاه بأن يكفر بالذبح على سبيل الاجتهاد منه -صلى الله عليه وسلم- أو بوحي غير متلو فلما أعلمه أنه لا يجد نزلت الآية بالتخيير بين الذبح، والصيام، والإطعام فخيره حينئذ بين الصيام والإطعام لعلمه بأنه لا ذبح معه فصام لكونه لم يكن معه ما يطعمه، ويوضح ذلك رواية مسلم في حديث عبد الله بن معقل حيث قال: أتجد شاة؟ قلت: لا، فنزلت هذه الآية ففدية {مِنْ صِيَامٍ