للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي حديث كعب بن عجرة من الفوائد غير ما تقدم أن السنة مبينة لمجمل الكتاب، لإطلاق الفدية في القرآن، وتقييدها بالسنة.

وتحريم حلق الرأس على المحرم، والرخصة له في حلقه إذا آذاه القمل، أو غيره من الأوجاع.

وفيه تلطف الكبير بأصحابه وعنايته بأحوالهم، وتفقده، وإذا رأى ببعض اتباعه ضررًا سأل عنه، وأرشده إلى المخرج منه، واستنبط بعض المالكية ايجاب الفدية على من تعمد حلق رأسه بغير عذر، فإن إيجابها على المعذور من التنبيه بالأدنى على الأعلى لكن لا يلزم من ذلك التسوية بين المعذور وغيره، ومن ثم قال الشافعي والجمهور: لا يتخير العامد بل يلزمه الدم، وخالف في ذلك أكثر المالكية، واحتج لهم القرطبي بقوله في حديث كعب: "أو اذبح نسكا": فهذا يدل على أنه ليس بهدي قال: فعلى هذا يجوز أن يذبحها حيث شاء، قال في "الفتح": لا دلالة فيه، إذ لا يلزم من تسميتها نسكًا أو نسيكة أن لا تسمى هديًا، أو لا تعطى حكم الهدي، وقد وقع تسميتها هديًا في الباب الأخير حيث قال: "أو تهدي شاة" وفي رواية مسلم: "واهد هديًا" وفي رواية للطبري: "هل لك هدي"؟ قلت: لا أجد، فظهر أن ذلك من تصرف الرواة، ويؤيده قوله في رواية مسلم: "أو اذبح شاة" واستدل به على أن الفدية لا يتعين لها مكان، وبه قال أكثر التابعين، وقال الحسن: تتعين مكة، وقال مجاهد: النسك بمكة ومنى، والإطعام بمكة، والصيام حيث شاء، وقريب منه قول الشافعي وأبي حنيفة: الدم والإطعام لأهل الحرم، والصيام حيث شاء، إذ لا منفعة فيه لأهل الحرم، وألحق بعض أصحاب أبي حنيفة وأبو بكر بن الجهم من المالكية: الإطعام بالصيام، واستدل به على أن الحج على التراخي لأن حديث كعب دل على أن نزول قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} كان بالحديبية، وهي في سنة ست، وفيه بحث، واحتج مالك بعموم الحديث على أن الفدية يفعلها حيث شاء سواء في ذلك الصيام والإطعام والكفارة، لأنه لم يعين له موضعًا للذبح، أو الإطعام، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وقد اتفق العلماء في الصوم أن له أن يفعله حيث شاء، لا يختص ذلك بمكة، ولا بالحرم، وجوز مالك النسك والإطعام كالصوم، ومرَّ ما قالته الشافعية والحنفية في ذلك.

وفيه أن الإطعام لستة مساكين، ولا يجزىء أقل من ذلك، وهو قول الجمهور، وحكي عن أبي حنيفة أنه يجوز أن يدفع إلى مسكين واحد، والواجب في الإطعام لكل مسكين نصف صاع من أي شيء كان المخرج من قمح أو تمر أو شعير، وهذا قول مالك والشافعي وإسحاق وأبي ثور، وحكي عن الثوري وأبي حنيفة تخصيص ذلك بالقمح، وأن الواجب من الشعير والتمر صاع لكل مسكين، وحكى ابن عبد البر عن أبي حنيفة وأصحابه، كقول مالك والشافعي وفي رواية عن أحمد أن الواجب مد من قمح، أو مدان من تمر أو شعير.

<<  <  ج: ص:  >  >>