أبي بكر المقدمي، عن أبي عوانة بلفظ خرج حاجًّا أو معتمرًا، فبان أن الشك فيه من أبي عوانة، وقد جزم يحيى بن أبي كثير بأن ذلك كان في عمرة الحديبية، وهذا هو المعتمد.
وقوله:"وحدث النبي" بضم أوله على البناء للمجهول.
وقوله:"بغيقة" أي: في غيقة وهو بفتح الغين المعجمة بعدها ياء ساكنة ثم قاف مفتوحة ثم هاء، قال السكوني: هو ماء لبني غفار بين مكة والمدينة، وقال يعقوب: هو قليب لبني ثعلبة يصب فيه ماء رضوى، ويصب هو في البحر. وحاصل القصة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما خرج في عمرة الحديبية فبلغ الروحاء، وهي من ذي الحليفة على أربعة وثلاثين ميلًا، أخبروه بأن عدوًّا من المشركين بوادي غيقة، يخشى منهم أن يقصدوا غرته، فجهز طائفة من أصحابه فيهم أبو قتادة إِلى جهتهم، ليأمن شرهم، فلما أمنوا ذلك لحق أبو قتادة وأصحابه بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، فأحرموا إلاَّ هو فاستمر حلالًا؛ لأنه إما لم يجاوز الميقات، وإما لم يقصد العمرة، وبهذا يرتفع الإشكال الذي ذكره أبو بكر الأثرم، قال: كنت أسمع أصحابنا يتعجبون من هذا الحديث ويقولون: كيف جاز لأبي قتادة أن يجاوز الميقات وهو غير محرم؟ ولا يدرون ما وجهه، قال: حتى وجدته في رواية من حديث أبي سعيد فيها: فخرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأحرمنا فلما كنا بمكان كذا إذا نحن بأبي قتادة، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- بعثه في وجه الحديث قال: فإذا أبو قتادة إنما جاز له ذلك لأنه لم يخرج يريد مكة، وهذه الرواية التي أشار إليها تقتضي أن أبا قتادة لم يخرج مع النبي -صلى الله عليه وسلم- من المدينة، وليس كذلك لما بيناه، ولكن في "صحيح ابن حبان" والبزار عن أبي سعيد قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا قتادة على الصدقة، وخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وهم محرمون، حتى نزلوا بعسفان، فهذا سبب آخر، ويحتمل جمعهما، والذي يظهر أن أبا قتادة إنما أخر الإحرام لأنه لم يتحقق أنه يدخل مكة، فساغ له التأخير، وقد استدل بقصة أبي قتادة على جواز دخول الحرم بغير إحرام لمن لم يرد حجًا ولا عمرة، وقيل: كانت هذه القصة قبل أن يوقت النبي -صلى الله عليه وسلم- المواقيت، وأما قول عياض ومن تبعه: إن أبا قتادة لم يكن خرج مع النبي -صلى الله عليه وسلم- من المدينة، وإنما بعثه أهل المدينة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلمونه أن بعض العرب قصدوا الإغارة على المدينة، فهو ضعيف مخالف لما ثبت في طريق عثمان بن موهب الصحيحة الآتية بعد بابين.
وقوله:"فبينا أبي مع أصحابه يضحك بعضهم إلى بعض"، في رواية علي بن المبارك: فبصر أصحابي بحمار وحش، فجعل بعضهم يضحك إلى بعض، زاد في رواية أبي حازم: وأحبوا لو أني أبصرته، كذا في جميع الروايات، وفي رواية لمسلم:"فجعل بعضهم يضحك إليَّ" بتشديد الياء من إلى، قال عياض: هو خطأ وتصحيف، وإنما سقط عليه لفظة بعض، ثم احتج لضعفها بأنهم لو ضحكوا إليه لكانت أكبر إشارة، وقد قال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: هل منكم أحد أمره أو أشار إليه؟ قالوا: لا، وإذا دل المحرم الحلال على الصيد لم يأكل منه اتفاقًا،