شيبة عن طاووس قال: لم يدخل النبي -صلى الله عليه وسلم- مكة إلا محرمًا إلا يوم الفتح، وقد مرَّ التوفيق بين حديث أنس في المغفر، وحديث جابر في العمامة السوداء، وبتصريح جابر بأنه لم يكن محرمًا، يندفع إشكال من قال لا دلالة في الحديث على جواز دخول مكة بغير إحرام، ولكن فيه إشكال من وجه آخر لأنه عليه الصلاة والسلام كان متأهبًا للقتال، ومن كان كذلك جاز له الدخول بغير إحرام عند الشافعية، وإن كان عياض نقل الاتفاق على مقابله وأما من قال من الشافعية كابن القاص دخول مكة بغير إحرام من خصائص النبي -صلى الله عليه وسلم- ففيه نظر لأن الخصوصية لا تثبت إلا بدليل لكن زعم الطحاوي أن دليل ذلك، قوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي شريح وغيره "إنها لم تحل له إلا ساعة من نهار" وأن المراد بذلك جواز دخولها بغير إحرام لا تحريم القتال والقتل لأنهم أجمعوا على أن المشركين لو غلبوا والعياذ بالله تعالى على مكة حل للمسلمين قتالهم وقتلهم، وقد عكس النووي استدلاله فقال: في الحديث دلالة على أن مكة تبقى دار إسلام إلى يوم القيامة فبطل ما صوره الطحاوي، وفي دعواه الإجماع نظر فإن الخلاف ثابت حكاه القفال والماوردي وغيرهما واستدل بالحديث على أنه عليه الصلاة والسلام فتح مكة عنوة وأجاب النووي بما مرَّ من أنه عليه الصلاة والسلام كان صالحهم، لكن كما لم يأمن عذرهم دخل متأهبًا وهو جواب قوي إلا أن الشأن في ثبوت كونه صالحهم لا يعرف في شيء من الأخبار صريحًا، وقد مرَّ في باب توريث دور مكة وبيعها استيفاء الكلام على كونها فتحت صلحًا أو عنوة واستدل بقصة ابن خطل على جواز إقامة الحدود والقصاص في حرم مكة قال ابن عبد البر: كان قتل ابن خطل قودًا من قتله المسلم وقال السهيلي: فيه أن الكعبة لا تعيذ عاصيًا ولا تمنع من إقامة حد واجب وقال النووي: تأول من قال: لا يقتل فيها. على أنه عليه الصلاة والسلام قتله في الساعة التي أبيحت له، وأجاب عنه أصحاب الشافعية بأنها إنما أبيحت له ساعة الدخول حتى استولى عليها وأذعن أهلها وإنما قتل ابن خطل بعد ذلك، وتعقب بما مرَّ في الكلام على حديث أبي شريح أن المراد بالساعة التي أحلت له ما بين أول النهار، ودخول وقت العصر وقتل ابن خطل كان قبل ذلك قطعًا لأنه قيد في الحديث بأنه كان عند نزعه المغفر، وذلك عند استقراره بمكة وقد قال ابن خزيمة: المراد بقوله: في حديث ابن عباس ما أحل الله لأحد فيه القتل غيري أي: قتل النفر الذين قتلوا يومئذ ابن خطل، ومن ذكر معه قال: وكان الله قد أباح له القتال والقتل معًا في تلك الساعة، وقتل ابن خطل وغيره بعد نقض القتال، واستدل به على جواز قتل الذمي إذا سب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفيه نظر كما قال ابن عبد البر لأن ابن خطل كان حربيًا ولم يدخله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أمانه لأهل مكة بل استثناه مع من استثنى، وخرج أمره بقتله مع أمانه لغيره مخرجًا واحدًا، فلا دلالة فيه لما ذكر ويمكن أن يتمسك به في جواز قتل من فعل ذلك بغير استتابة من غير تقييد بكونه ذميًا لكن ابن خطل عمل بموجبات القتل فلم يتحتم