وقوله:"لا يقبل منه صرف ولا عدل" بفتح أولهما، واختلف في تفسيرهما.
فعند الجمهور الصرف: الفريضة، والعدل: النافلة، ورواه ابن خزيمة بإسناد صحيح عن الثوري.
وعن الحسن البصري بالعكس.
وعن الأصمعي الصرف: التوبة والعدل، وعن يونس مثله لكن قال: الصرف الاكتساب، وعن أبي عبيدة مثله لكن قال: العدل: الحيلة، وقيل: المثل وقيل: الصرف: الدية والعدل: الزيادة عليها، وقيل: بالعكس، وحكى صاحب المحكم: الصرف: الوزن، والعدل: الكيل، وقيل: الصرف: القيمة، والعدل: الاستقامة، وقيل: الصرف: الدية، والعدل: البديل، وقيل: الصرف: الشفاعة، العدل: الفدية؛ لأنها تعادل الدية، وبهذا الأخير جزم البيضاوي، وقيل: الصرف: الرشوة، والعدل: الكفيل، قاله أبان بن ثعلب، وأنشد:
لا نقبل الصرف وهاتوا عدلًا
وفي آخر الحديث في رواية المستملي قال أبو عبد الله: عدل: فداء وهذا موافق لتفسير الأصمعي، قال عياض: معناه لا يقبل قبول رضىً وإن قبل قبول جزاء، وقيل: يكون القبول هنا بمعنى تكفير الذنب بهما، وقد يكون معنى الفدية أنه لا يجد يوم القيامة فدىً يفتدي به، بخلاف غيره من المذنبين بأن يفديه من النار بيهودي أو نصراني، كما رواه مسلم عن أبي موسى الأشعري، وفي الحديث رد لما تدعيه الشيعية من أنه كان عند عليّ وآل بيته من النبي صلى الله عليه وسلم أمور كثيرة أعلمه بها سرًا تشتمل على كثير من قواعد الدين، وأمور الإمارة، وفيه جوز كتابة العلم.
وقوله:"ذمة المسلمين واحدة" أي: أمانهم صحيح فإذا أمن الكافر واحدٌ منهم حرم على غيره التعرض له، وللأمان شروط معروفة، وقال البيضاوي: الذمة العهد سمي بها لأنه يذم متعاطيها على إضاعتها.
وقوله:"يسعى بها" أي: يتولاها ويذهب، ويجيء، والمعنى أن ذمة المسلمين سواء صدرت من واحد، أو أكثر، شريف أو وضيع فإذا أمن أحد من المسلمين كافرًا وأعطاه ذمة، لم يكن لأحد نقضه فيستوي في ذلك الرجل والمرأة، والحر والعبد لأن المسلمين كنفس واحدة، ومذهب مالك والشافعي جواز أمان المرأة والعبد، وعند أبي حنيفة: لا يجوز إلا إذا أذِن المولى لعبده بالقتال.