للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دعا على قومه أهل مكة لما يئس منهم فقال: "اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف"، ودعا على أهل الجحفة بالحمى ليشغلهم بها فلم تزل الجحفة من يومئذ أكثر بلاد الله حمى، وإنه ليتقي شرب الماء من عينها التي يقال لها: عين حم، فقل من شرب منه إلا حم، ولما دعا عليه الصلاة والسلام بذلك الدعاء لم يبق أحد من أهل الجحفة إلا أخذته الحمى، ويحتمل أن يكون هذا هو السر في أن الطاعون لا يدخل المدينة لأن الطاعون وباء، والنبي عليه الصلاة والسلام دعا بنقل الوباء عنها، فأجاب الله دعاءه إلى آخر الأبد، فإن قيل: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن القدوم على الطاعون، فكيف قدموا المدينة وهي وبيئة؟ فالجواب: أن ذلك كان قبل النهي أو النهي يختص بالطاعون ونحوه من الموت الذريع، لا المرض وإن عمَّ.

وقوله: "قالت" يعني عائشة، وهو متصل بما قبله في رواية عروة عنها.

وقوله: "وهي أوبأ أرض الله" أوبأ بالهمز في آخره أفعل التفضيل أي: أكثر وباء، وأشد من غيرها، وفي رواية محمد بن إسحاق عن هشام بن عروة نحوه، وزاد: قال هشام: وكان وباؤها معروفًا في الجاهلية، وكان الإنسان إذا دخلها وأراد أن يسلم من وبائها قيل له: انهق فينهق، كما ينهق الحمار، وفي ذلك يقول الشاعر:

لعمري لئن غنيت من خيفة الردى ... نهيق حمار إنني لمروع

وقوله: "قالت: فكان بطحان" تعني وادي المدينة.

وقوله: "يجري نجلًا آجنًا" النجل بفتح النون وسكون الجيم، وقد تكسر حكاه ابن التين، وقال ابن فارس: النجل بفتحتين سعة العين، وليس هو المراد هنا، قيل: النجل النز بنون وزاي، يقال: استنجل الوادي إذا ظهر نزوزه، والنز بالفتح وبكسر هو ما يتحلب من الأرض من الماء، وقال ابن السكيت: النجل العين حين تظهر وينبع عين الماء، وقال الحربي: نجلًا أي: واسعًا، ومنه عين نجلاء أي: واسعة، وقيل: هو الغدير الذي لا يزال فيه الماء، وغرض عائشة بذلك بيان السبب في كثرة الولاء بالمدينة؛ لأن الماء الذي هذه صفته يحدث عنده المرض.

وقوله: "تعني ماءً آجنًا" هو من تفسير الراوي، وهو بفتح الهمزة وكسر الجيم بعدها نون أي: متغيرًا، قال عياض: هو خطأ ممن فسره، فليس المراد هنا الماء المتغير قال في الفتح: وليس كما قال فان عائشة قالت ذلك في مقام التعليل لكون المدينة كانت وبيئة، ولا شك أن النجل إذا فسر بكونه الماء الحاصل من النز، فهو بصدد أن يتغير وإذا تغير كان استعماله مما يحدث الوباء في العادة، وزاد ابن إسحاق في روايته عن هشام وعمرو بن عبد الله بن عروة جميعًا، عن عروة، عن عائشة عقب قول أبيها: فقلت: والله ما يدري أبي ما يقول، قالت: ثم دنوت إلى عامر بن فهيرة، وذلك قبل أن يضرب الحجاب علينا، فقلت: كيف تجدك يا

<<  <  ج: ص:  >  >>