فأجلسوه واجتمع الناس إليه، وفيهم طاوُوس ومُجاهد وعطاء وعَمرو بن شُعيب، فحدّثهم، فقالوا، أو قال بعضهم: لم نر مثل هذا قط.
وقال أبو عَمرو بن العلاء: ما رأيت أفصح من الحسن البصري، والحجاج بن يوسف الثقفي. فقيل له: فأيهما كان أفصح؟ قال: الحسن.
وكان من أجمل أهل البصرة حتى سقط عن دابته، فحدث بأنفه ما حدث.
ومن كلامه: ما رأيت يقينًا لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت.
ولما وَلِي عُمر بن هُبيرة الفَزاريّ العراق وأضيفت إليه خراسان، وذلك في أيام يزيد بن عبد الملك، استدعى الحسن البصري ومحمد بن سِيرين والشّعبيّ، وذلك في سنة ثلاث ومئة، فقال لهم: إن يزيد خليفة الله استخلفه على عباده، وأخذ عليهم الميثاق بطاعته، وأخذ عهدنا بالسمع والطاعة، وقد ولّاني ما ترون، فيَكتُب إليّ بالأمر من أمره فأُقَلِّده ما تَقَلّده من ذلك الأمر، فما ترون؟ فقال ابن سيرين والشعبيّ قولًا فيه تقية، فقال ابن هُبيرة: ما تقول يا حسن؟ فقال: يا ابن هُبيرة، خفِ الله في يزيد، ولا تخف يزيد في الله. إن الله يمنعك من يزيد وإن يزيد لا يمنعك من الله. وأوشك أن يبعث إليك ملكا فيُزيلك عن سريرك، ويُخرجك من سَعَة قَصْر إلى ضِيقِ قبر، ثم لا يُنجيك إلا عملك، يا ابن هُبيرة، إنْ تَعْص الله فإنما جعل الله هذا السلطان ناصرًا لدينه وعباده، فلا تَرْكبَنَّ دين الله وعباده بسلطان الله، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
فأجازهم ابن هُبيرة وأضْعَف جائزة الحسن، فقال الشعبيُّ لابن سيرين: سَفْسَفْنا له فَسَفْسفَ لنا.
ورأى الحسن يومًا رجلًا وسيمًا حسن الهيئة، فقيل له: إنه يَسخَرُ للملوك ويحبونه، فقال: لله أبوه، ما رأيت أحدا طلب الدنيا بما يشبهها إلا هذا.